على غرار جهاز كشف الكذب الذي يقيس العديد من المؤشرات الفيسيولوجية، كضغط الدم، والنبض، والتنفس، واستجابة الجلد، أثناء إجابة شخص ما على مجموعة من الأسئلة التي توجه إليه. ففي نفس السياق قامت إحدى الشركات العالمية باختراع جهاز جديد يُسمى جهاز كشف الصدق (قول الحقيقة)، ويستخدم هذا الجهاز من قبل المنظمات لقياس مصداقية مدير المنظمة ومعرفة مدى التزامه بالأمانة وأخلاقيات العمل في سلوكياته، والتأكد من أن كافة القرارات والتوجيهات التي يصدرها هي في صالح العمل وليست لمصلحته الشخصية؛ فعندما يتم تعيين مديرًا جديدًا لأية منظمة يتم زراعة شريحة في ذراع يده التي يوقع بها؛ وفي المقابل هناك شريحة مماثلة مبرمجة ومرتبطة بها يتم وضعها داخل جهاز الروبوت البشري (كشف الصدق).
وفي نهاية فترة تكليف ذلك المدير يتم عرضه على هذا الجهاز للنظر في سلوكياته وقراراته والتأكد إذا ما كانت صحيحة، وبالتالي يُعتبر المدير ناجحًا ومؤهلًا ليستمر مديرًا للمنظمة لفترة أخرى، وإما أن يتضح تقصير ذلك المدير وفساده الإداري والمالي، وبالتالي يتم إعفاؤه من منصبه ومحاسبته على فساده.
الجهاز عبارة عن روبوت بشري يوضع في غرفة، ومن ثم يتم إدخال المدير المراد اختباره؛ حيث يجلس أمام الروبوت البشري ويضع يده التي تحمل الشريحة في يد الربوت البشري فيبدأ الجهاز بقراءة سلوكيات المدير والتحدث عن قراراته وكافة تصرفاته خلال الفترة الماضية.
“أبو حابس” مدير في إحدى المنظمات أكل الأخضر واليابس وعاث فسادًا في منظمته؛ حيث عمل “أبو حابس” منذ تعيينه على تفريق منسوبي منظمته شيعًا وأحزابًا، وتفريغ المنظمة من الكفاءات. لا وجود للكفاءة في قاموس إدارته، وأما اختياره لأعضاء إدارته فيقوم على المحسوبية والولاء والتبعية لشخصه. فساده أصبح علامة بارزة للقاصي والداني لكنه مع كل ذلك كان شديد الحذر حيث يحرص على شرعنة فساده؛ فيستصدر موافقة مجلس إدارة المنظمة وخاصة في القرارات المالية، كما أنه حريص ألا يختلس أموال المنظمة بمفرده حتى لا يشك أحد في أمره بل يصطحب معه شخص وربما مجموعة من الأشخاص في أية صفقة مالية أو رحلة سياحية يخوضها. لم يبقَ فريق عمل إلا وجعل لنفسه سهمًا معهم، ولم يستحق شخص بدل مالي إلا وجعل لنفسه نصيبًا مثله.
ومع كل ذلك عندما أُدخِل “أبو حابس” على جهاز (كشف الصدق) كانت المفاجأة أن الجهاز لم يقرأ أو يتحدث عن الفترة الماضية لإدارة “أبي حابس”؛ بل جاء الحديث عن تطلعات “أبو حابس” المستقبلية وأنه يعتزم شراء روبوت بشري؛ لتعيينه مساعدًا له في إدارته وأمينًا لأسراره وشريكًا له في صفقاته المالية ورفيقًا له في رحلاته السياحية، وسوف يحصل ذلك الروبوت على كافة المزايا والحوافز التي يتمتع بها “أبو حابس”؛ عندها صرخ الروبوت البشري بأعلى صوته صرخةً مدوية وصل صداها إلى لاس فيغاس قائلًا: أنا.. أنا.. أنا ذلك الروبوت الذي تبحث عنه!! حينها استيقظت على صوت ابني الصغير وهو يدندن:
ياللي تصيف بين لاس فيقاس وباريس
حنا حلا صيفنا في وطنا.