المقالات

وقفة بين عامين

هاهي السنة الهجرية 1445 فتحت أول ورقة في صفحات كتابنا، بعد أن حزمت السنة الهجرية 1444 حقائبها وأغلقت آخر صفحة في كتاب حياتنا السابقة، وها نحن سنبدأ بتدوين كل ما يمر علينا في عامنا الحالي، ولو لم تسطره أيدينا؛ فهناك كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها…

إن المتأمل لحاله في السنة السابقة، والتي قبلها ليعلم يقينًا أنه يدور في حلقة مفرغة إلا من رحمه ربي، وهداه لوضع خططه المستقبلية بعد دراستها بروية وتؤدة، إن هذا الشخص الذي وفِق لوضع التصور المتوقع لحياته المستقبلية، وراح يخطط ويدقق ويراجع ويصوغ لكل شؤون حياته سيجني ثمار تعبه وتغريده خارج السرب الضائع ليكون هو المتسيّد، وهو من سيحقق آماله وأحلامه وطموحاته، أما من رضي من الغنيمة بالإياب وبقي حاله كما هو منذ ولادته حتى مماته لا يزيد فيه إلا عمره وجسمه؛ فذاك هو الخاسر وهو العابث في الدنيا الزائد فيها !
إن من أكبر الأخطاء التي نقع فيها أن نجعل حياتنا شريطًا متكررًا من الأحداث فلا نغير ولا نبدل، ولا نحاول أن نجعل عامنا هذا مختلفًا عن أعوامنا السابقة، ونقول: نحن راضون بقضاء الله وقدره، ويجب أن لا نغير مجرى حياتنا فما هو مكتوب على الجبين لا بد أن تراه العين !
وهذا تصور جانبه الصواب، ولا يقره العقل ولا النقل فالله قال في محكم كتابه: (إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم) (الرعد: 11) ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الدعاء يرد القضاء، وصحابته والتابعون من بعده جعلوا التخطيط نبراسًا لهم ومنارة لحياتهم.
قد نضع خططنا وقد نرسم لوحة حياتنا لكن الرياح تجري أحيانًا بما لا تشتهي السفن؛ فنظن بأننا أخطأنا وأضعنا وقتنا في أمر لا يجدي نفعًا وأن من يلهو ويعيش حياته بطولها وعرضها دون هدف هو السعيد وهو الذي فاز بالملذات، لكن الواقع المعاش يقول: بأن كل أمنية كتبتها وسعيت لتحقيقها ستتحقق مثل انبلاج النور ومثل شروق الشمس لكن بعد صبر وعناء وهنا تكمن لذة النجاح، وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا!
على الإنسان أن يجلس مع نفسه جلسة مصارحة لا مكان للكذب والمداهنة فيها، فيكتب أخطاءه وسلبياته ونجاحاته وإيجابياته التي حدثت في العام الفائت، ثم يبدأ بوضع خططه وآماله وأحلامه التي سيسعى لتحقيقها في العام القادم ولا ضير إن جعلها مرتبطة بالعام الهجري أو الميلادي؛ فالمهم أن يرتب حياته بدلًا من فوضويتها.
قد يقول البعض فماذا أضع وماذا أكتب وما هي الأمور التي يجب أن أناقشها مع نفسي؟
أقول له: اجعل التغيير شاملًا لكل شؤون حياتك دينيًا واجتماعيًا وسلوكيا وثقافيًا وماليًا وتربويًا، ولا تحد من سقف طموحاتك وليس شرطًا أن تحقق كل ما كتبته في هذا العام، وليس عيبًا أن تجعله في العام المقبل لكن لا تتكاسل ولا ترحل كل شيء لما بعده ولا تركن للتسويف في حياتك فتضيع، وفق الله الطامحين وحقق أمانيهم وهداهم للرشد، ويسر أمورهم وأعانهم.

همسة الختام
قد تسمع كثيرًا من المحبطين الذين يدّعون أن التخطيط ضياع للوقت ونوع من المثالية الزائفة، فلا يفت ذلك من عضدك ولا يمنعك من التجربة فكل سير الناجحين السابقين واللاحقين هي دليل دامغ على أهمية التخطيط، والتجربة خير برهان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button