نسأل أنفسنا في إجازاتنا هل نحن حقًّا في إجازة مع أهلنا وأبنائنا أو في إجازة منهم؟
هل نحن فعليًا كلنا كأسرة في إجازة من الوظيفة والدراسة، وما أحلاها من نعمة الإجازة هي وناسة وراحة وتغيير جو وطلعات وجولات ورايحين ورادين فرحانين ومستأنسين وأمورنا تمام وطيبة والحمد لله، ويارب كثّر من الإجازات وطوّلها، وما تخليها تخلّص بسرعة ما شبعنا من الإجازة ومن بعضنا كأسرة والأوقات الحلوة تمر بسرعة، وتبقى الذكريات الجميلة تجمّل أيامنا القادمة وحياتنا الأسرية.
أرجوكم أن نكون حذرين، ولا نقع في فخ يقع فيه البعض، ويزيد عددهم للأسف وهم فئة أنا معاكم يا أسرتي جسدًا شكلًا حضورًا وجودًا اسمًا فقط، وحقيقة الأمر هم كانوا بعيدين عنهم في الشتات حتى لو كانت أجسادهم حية معهم وقريبة منهم إلا أن مشاعرهم وأحاسيسهم، وعواطفهم ولمساتهم وقُبلاتهم وأحضانهم في إجازة وخارج الخدمة وبعيدة عنهم.
ما الفائدة من الإجازة مع الأسرة، والبُخل المشاعري والعاطفي في قمة تألقه معاهم.
تسمع الزوجة والأبناء يتمتون ويرددون لو جالس في دوامه وطالع مع ربعه وأصحابه أفضل له ولنا، ولا يخدع نفسه ويخدعنا أنه في إجازة معنا وهو في إجازة عنّا.
الإجازة لا تعني نوم طول النهار وسهر طول الليل، والأبناء في أحضان العمالة المساعدة، والزوجة تكلّم نفسها حتى تُصاب بالهلوسة من كثرة جلستها مع نفسها، وجمود في مشاعرها الزوجية.
إذا جلس في البيت مسك بيده اليمنى ريموت التلفاز، وبيده اليسرى يقلّب صفحات الجرائد، وهذا حال جيل الطيبين، وهناك نوع آخر من يقوم من النوم ويرجع للنوم ما يهد جواله وعينه ما تفارق شاشة الجوال، وأصابع تدق وتنط يمين ويسار فوق وتحت الشاشة مع تفاعل صادق مع ما يشاهده، ولسان حال أبنائه يستغيثون يا بابا أنا ريموت حياتك وأنا بقلَّب لك القنوات وصفحات الجرائد ومواقع التواصل بس أرجوك اجعلني في حضنك، ولو دقائق والله نحن عطشى ومشتاقين لك شوق ما يعلمه إلا الله.
أبناؤنا.. زوجاتنا يتعطشون لنا كثيرًا، وتحملوا كثيرًا تقصيرنا السابق معهم في انشغالاتنا وطلعاتنا وظروفنا، والحين جاء دورهم وحقهم عليهم ويستاهلون منَّا الكثير، وهم يرتضون بالقليل وقليل على قليل يسوي عندهم كثير.
أرجوك أيها الأب وكذلك أيتها الأم اجعلوا الإجازة مع أبنائكم استثمارًا في تقوية علاقتكم مع بعض.. استثمارًا في إشباع عطش المشاعر.. استثمارًا في تقوية ولاء وانتماء أبنائكم للوطن.. استثمارًا في زيادة جُرعات الحوار والمصارحة.. استثمارًا في التقرب منهم أكثر وأكثر.
أرجوكم لا تستثمروا إجازتكم في تسمين أبنائكم فهم يشكرونكم على حسن رعايتكم لهم، ولكنهم يُناشدونكم أن تستثمروا معهم الإجازة خير استثمار؛ لتعم الفرحة والسعادة علينا جميعًا.
اعتبروا مقالي اليوم صرخة استغاثة ونجدة وأمانة من أحد أبنائكم ناولني إياها حتى تصل إلى قلوبكم قبل مسامعكم. (استثمروا أوقاتنا معكم في الإجازة خير استثمار؛ فأنتم أمان لنا ونحن أمانة عندكم).