لا يغيب عن فكر أحد الدور الهام الذي تلعبه الجامعات في الأبحاث المجتمعية؛ حيث يلعب البحث العلمي دورًا رئيسيًا في حل الكثير مما يواجهه المجتمع من مشكلات، ولا عجب في ذلك فالبحث العلمي يعد إحدى أهم الوظائف التي تقوم بها الجامعات، فبدونه تصبح الجامعة مجرد مدرسة تعليمية لعلوم ومعارف ينتجها الآخرون، وليس مركزًا للإبداع والابتكار العلمي وإنماء المعرفة وإثرائها ونشرها، والسعي لتوظيفها لحل المشكلات المختلفة التي تواجه المجتمع.
دعاني للكتابة رسالة وصلتني على الفاكس من أخي الكريم الخلوق الذي يألف ويُلف معالي الأستاذ الدكتور/ أحمد بن محمد العيسى وزير التعليم الأسبق، اختيار معرفي جميل من معاليه ودائمًا اختيارات أبي معاذ جميلة ومفيدة؛ كانت عن دراسة إحصائية قامت بها جامعة هارفرد الأمريكية العريقة، وتعتبر أطول الدراسات العلمية الإحصائية في التاريخ لمعرفة مسببات الصحة والسعادة لدى الإنسان عندما يتقدم في العمر، فقد رصدت الدراسة مسيرة حياة 724 شخصًا على مدى 78 عامًا، وكانت تجري معهم ومع أصدقائهم وعائلاتهم وأقاربهم مقابلات دورية، وتتابع في نفس الوقت سجلاتهم وحالاتهم الطبية خلال تلك الفترة الزمنية.
الدراسة أعجبتني من ناحيتين الأولى لأن تخصصي في الدكتوراة دراسات إحصائية، والثانية تطرقها لصحة الإنسان في فترة تقدمه في العمر. أترككم مع ما جاء فيها بدون تعليق:
في الدراسة وجد أنه كلما تمتع الطفل في سنواته الأولى بعلاقة قوية مع والديه ومع من يعيش معه في المنزل، سيحظى عادةً بحياة صحية جيدة في نهاية المطاف؛ لأن إنصات الوالدين لطفلهما مهما كان حديثه سوف ينعكس ذلك على وضعه الصحي والنفسي عند تقدمه في العمر، مقارنةً بالأطفال الآخرين الذين لم يحظوا باهتمام الوالدين والذين وجد أن نسبة كبيرة منهم قد تعرضوا للاكتئاب النفسي في الكِبَر. وتبين نتائج الدراسة أيضًا، أن أغلبية من شملتهم الدراسة والذين وصلت أعمارهم إلى 80 عامًا ولازالوا يتمتعون بصحة جيدة حظوا بعلاقات ممتازة مع شركائهم في الحياة الزوجية وأصدقائهم وهم في العقد الخامس من العمر، وهذا يعني أنه كلما كانت علاقات الشخص قلقة وغير مستقرة مع أسرته وأصدقائه يتعرض غالبًا للاكتئاب والمرض عندما يتقدم في العمر، لأن العيش في فلك الصراعات والنزاعات يفتك بحياة الإنسان، ومن جانب آخر يجب أن يعي الشخص أن العلاقات الحميمية لا تعني بالضرورة غياب الخلافات الشخصية بين الأفراد داخل وخارج المنزل ، لكنها تعني احترام وتقدير الشخص للآخر.
وأخيرًا بيَّنت الدراسة ما يُسمى بالعُزلة السامة؛ وهي الأفراد الذين يفضلون الجلوس وحدهم في المنزل أمام شاشات التلفزيون والأجهزة الإلكترونية، فقد بيَّنت الدراسة أنهم في العادة يصابون بالسأم والاكتئاب، بعكس الأفراد الذين يقومون بأعمال تتطوعية وخيرية لمساعدة المحتاجين، ويحرصون على البقاء خارج المنزل في العمل التطوعي والاختلاط مع الناس وجد أنهم في العادة يحافظون على صحتهم ورشاقتهم عندما يتقدمون في العمر مقارنة بالآخرين. انتهت الدراسة.
0