على غرار المثل الدارج بين الناس الذي يقول: “ضربتين في الرأس توجع” جاء عنوان هذا المقال؛ حيث إن اللسعة الأولى ما تشهده معظم مناطق ومحافظات بلادنا الحبيبة في فصل الصيف من ارتفاع شديد في درجات الحرارة، والتي لامست الخمسين درجة متجاوزة بذلك كل المعدلات الطبيعة التي كانت ترصد خلال السنوات الماضية في مثل هذه الأوقات؛ وذلك بحسب ما تصدره الأرصاد الجوية من تحليلات يومية لحالة الطقس والتغير المناخي الذي تشهده الكرة الأرضية، وأما اللسعة الثانية فهي تعد أشد ألمًا وحرارة من الأولى فاللسعة الأولى قد يتغلب عليها الفرد بصبره ويتكيف مع لهيب حرارتها بحسب درجة تحمله للأجواء الحارة، لكن ألم اللسعة الثانية لا يمكن تحمله لأنها تلسع القلوب والجيوب معًا قبل أن تلسع الأبدان وتلك هي لسعة فواتير الكهرباء التي تصدر في نهاية كل شهر بأرقام فلكية تجعل الواحد منا يتحسر بعد معرفة مبالغها المالية على كل لحظة امتدت فيها يده لمفاتيح المكيفات وتشغيلها من أجل أن ينعم هو وأسرته بأجواء باردة تخفف عليهم لهيب حرارة الصيف، كما أنه سيعض أصابع الندم على كل لحظة أضاء فيها مصباحًا أو استخدم فيها جهازًا كهربائيًا طوال ذلك الشهر؛ لأن مبلغ الفاتورة القاصم للظهر سيذهب بما تبقى من الراتب بعد سداد الالتزامات الشهرية الأخرى التي باتت كالمناشير تنهش الراتب من كل مكان !
وقد أتت العديد من المطالبات والنداءات المتكررة إلى الجهات المعنية بتنظيم الكهرباء من أجل إعادة وجهة النظر في التعرفة الحالية، وكان على رأس هذه النداءات ما رفعه مجلس الشورى في جلسته التي عقدت يوم الثلاثاء الموافق ١٥ جمادى الآخرة لعام ١٤٤٣هـ- ١٨ يناير ٢٠٢٢م من مطالب إلى هيئة تنظيم المياه والكهرباء، والتي دعا فيها إلى مراجعة شرائح استهلاك الكهرباء وتسعيرها بما يراعي فئات المجتمع من محدودي الدخل. نظرًا لأهمية هذه الخدمة الأساسيَّة التي لا يمكن العيش بدونها، واستدامة توفيرها إلا أن الأمر بقي على ما هو عليه من ذلك الوقت حتى وقتنا الحاضر، وبقيت فاتورة الكهرباء تفاجئ المستهلك من شهر إلى آخر بأرقام مخيفة دون أي مراعاة وتقدير لظروفه الاقتصادية، لذلك فإن تخفيض التسعيرة الحالية بات أمرًا ملحًا لأنه سيؤدي إلى توفير بيئة أسرية ذات أمان نفسي واستقرار مالي، فمعظم الأسر أصبحت تُعاني من تبعات الزلازل المالية التي يتعرض لها رب الأسرة بسبب فواتير الخدمات العالية مما انعكس ذلك سلبًا على استقرار الأسرة واستمرارها؛ خاصة وأن معظم حالات الطلاق والانفصال عادة ما تكون نتيجة لمشاكل مالية فبعد تراكم الديون على رب الأسرة تنشأ الخلافات والصراعات الزوجية المدمرة لا سيما وأن المال يعتبر عصب الحياة وزينتها !
وأخيرًا فإن مراعاة الجوانب المرتبطة بالحياة المعيشيَّة للمواطن، والتي باتت فواتير الكهرباء تُشكل أحد أهم ملفاتها الساخنة، يعد مطلبًا اجتماعيًا سيقلل من حالة الإحباط واليأس التي يشعر بها المستهلك عند صدور فاتورة الكهرباء في نهاية كل شهر، كما أن إعادة تقييم آليَّات العمل والإجراءات المتخذة ومراجعة سعر التعرفة الحالية، وتكثيف الإرشادات والتعليمات التي توضح الاستخدام الأمثل للطاقة، وإيجاد لغة حوارية شفافة بين الجهة المقدمة للخدمة والمستهلك ستؤدي جميعها إلى تبني فلسفة عمل متوازنة في قراءة مؤشرات هذه الفواتير وتحليلها، وتقييم انعكاساتها على حياة المواطنين، بشرط أن تكون قاعدة لا ضرر ولا ضرار هي الركيزة الأساسية التي تنطلق من خلالها لغة الحوار بين المواطن ومقدم الخدمة، فحكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله- ورعاهما لا تدخر جهدًا في سبيل توفير سُبل الحياة الكريمة وتذليل كل الصعوبات لكل من يعيش على ثرى هذه الأرض الطاهرة من مواطنين أو مقيمين.
وخزة قلم:
من تُفصل الكهرباء عن منزله في فصل الصيف؛ فإنه حتمًا سيتذكر بيت الحطيئة ويردده بتصرف قائلًا:
ماذا أقول لأطفال بذي غرف
حُمر النواصي لا ماء ولا برد