ما كان مقبولًا بالأمس من مخرجات للتعليم العالي ليس بالضرورة أنه كذلك اليوم لعدة أسباب، منها اختلاف الأهداف، ورؤية ولي العهد – يحفظه الله -، واحتياج سوق العمل على ضوء هذه الرؤية إضافة للانفجار التقني والمعلوماتي الذي نعيشه اليوم.
دعونا نرجع إلي ما قبل الطفرة، لم يكن يلتحق بالتعليم الجامعي من خريجي الثانوية وقتها إلا المتفوقين منهم والذين لم تزد نسبتهم أكثر من 40% من مجموع الخريجين، أما البقية فكانت تتوزع على البدائل وقتها والتي منها؛ الانخراط مباشرةً في سوق العمل، والالتحاق بالمعاهد المهنية، والتدريب الذي ينتهي بالتعيين في الشركات الكبيرة وغيرها.
بعدها أصبحت الجامعات تقبل جميع خريجي الثانوية العامة تقريبًا، لانعدام البدائل الأخرى أمام الخريجين.
وكان لا بد مع هذا العدد الهائل من المقبولين أن يكون على حساب مستوي مخرجات التعليم العالي، فانحدر المستوي العام وأصبح ظاهرة ملموسة ليس فقط في الكليات العلمية، بل حتى في الكليات النظرية، فتراجعت اللغة العربية الفصحى وشاعت الأمية اللغوية، لدرجة أن البعض أصبح يطلق على بعض الجامعات تندرًا أنها أصبحت مدارس ثانوية عالية.
ومن نتيجته تكدست الأعداد الهائلة من الطلبة في القاعات الدراسية، وتراكمت بنفس العدد على المختبرات والمعامل وتكومت في نفس العدد من المكتبات والمدرجات، لدرجة أن الطلبة أصبحوا في بعض الكليات يتصاعدون على أكتاف بعضهم البعض ليشاهدوا أستاذ المادة وهو يشرح.
ولم يجد طلبة الكليات العلمية كالطب على سبيل المثال، بسبب العدد الكبير من المقبولين فرصة ليفحصوا مريضًا، أو يشرحوا جثة، أو يخيطوا جرحًا، وأصبح وللأسف تعلم الطب في بعض الجامعات شفويًا، وبسببه تخرج الألوف من هذه الكليات دون أن يفقهوا شيئًا في تخصصاتهم وهبط المستوي العام لدرجة أن الخريج أصبح مرفوضًا في سوق العمل.
ما الحل؟!
لا يزال في الذاكرة عند استقبالي لرئيس جامعة ماليزيا للتقنية، وكانت من الجامعات المغمورة وفي ذيل التصنيفات العالمية من حيث الجودة بسبب الأعداد الكبيرة من الطلاب. أذكر أنه اشترط لإدارة الجامعة أن يكون عدد طلاب الدراسات العُليا يفوق عدد طلاب البكالوريوس، وبهذا أصبحت الجامعة الماليزية للتقنية من الجامعات البحثية المنتجة واحتلت مراكز متقدمة بين الجامعات العالمية.
الواجب أن يكون هناك بدائل أمام خريجي الثانوية سيما ونحن نعيش رؤية التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة؛ فعلى مؤسسات التعليم العالي وضع الخطط الاستراتيجية لتحقيق الرؤية. والمناهج يجب النظر فيها بحيث يزال منها الحشو وتتغير العملية التعليمية من الأسلوب القديم المعتمد على الحفظ والتلقين إلى الأسلوب الحديث المعتمد على دعوة العقل إلى التفكير والإبداع لأننا نعيش عصر التقنية وثورة الاتصالات والمعلومات فلا بد من تغيير أساليب التعليم تمامًا، وعندها تتحول جامعاتنا إلى جامعات ريادية.
0