القاهرة- تعاني الصحافة الورقية ووسائل الإعلام التقليدية من عديد الأزمات في الفترة الأخيرة بعموم الوطن العربي، لاسيما في ظل انتشار ورواج الإعلام الإلكتروني ووسائل الإعلام الحديثة، وآخرها تقنيات الذكاء الاصطناعي التي باتت تمثل تهديدا حقيقيا على مستقبل المهنة والعاملين بها.
“مكة” الإلكترونية حرصت على استطلاع رأي الخبراء والأكاديميين بالمهنة من الوطن العربي، وفي مقدمتهم الكاتب الصحفي هشام يونس وكيل أول نقابة الصحفيين المصريين، ورئيس تحرير بوابة الأهرام الإلكترونية السابق، حول مستقبل المهنة وكيفية التغلب على التحديات التي تواجهها، عبر الحوار التالي:
**كيف ترى تراجع الإقبال على القراءة في الوطن العربي في ظل انتشار الإعلام الإلكتروني؟
تراجع الإقبال على القراءة في الوطن العربي متعلق بالصحف فقط، وليس بعموم القراءة في فروعها المختلفة، والدليل على ذلك أن مصر لديها تجربة تؤكد أن القراءة غير متراجعة، حيث يقبل المواطنون والشباب على شراء الكتب من معرض الكتاب بكثافة، رغم أنها تباع بمبالغ كبيرة نسبيا مقارنة بأسعار الصحف التي تباع بجنيهات زهيدة.
**من وجهة نظرك.. ما هي المشاكل التي تعاني منها الصحافة الورقية في مصر والوطن العربي والتي أدت إلى تراجعها مؤخرا؟
مشكلة الصحف المصرية وكذلك العربية تكمن في المحتوى، لأنها لازالت تلهث وراء الخبر الذي لن تتمكن من مجاراة الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي في تغطيته، الإعلام المطبوع يجب أن يعمل على ما وراء الخبر مثل: التحقيق والتقرير والتحليل والحوار والمقال، وأن توسع دائرة الأشكال التحريرية حتى تتمكن من استعادة بريقها مرة أخرى.
**هل تؤثر الأزمات المادية على استقلالية الصحافة والإعلام في مصر؟
الأزمات المادية التي تعاني منها وسائل الإعلام المصرية تؤثر على استقلاليتها، لاسيما أن المؤسسات الصحفية القومية مملوكة للدولة المصرية، فضلا عن سيطرة إحدى الشركات على معظم وسائل الإعلام الأخرى، ما يجعل هناك مخاوف من الاحتكار، في ظل ضعف الصحف الحزبية وعدم قدرتها على الصمود مع المتغيرات المستمرة.
**كيف ترى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على شعبية وسائل الإعلام التقليدية؟
من المفترض أن تساهم مواقع التواصل في انتشار ورواج وسائل الإعلام التقليدية، ولكن ذلك يتطلب العمل على فكرة التكامل وليس التنافس، وأرى أنه حال لجوء وسائل التواصل لتقديم المعلومة والخبر للقارئ فهذا يعتبر إهدارا لجانب المهنية، ويعني ذلك أننا سنزيد من ترويج الشائعات والأخبار الكاذبة على حساب المعلومة الحقيقية التي ينتظرها القارئ، لأن الفارق بين ما ينشر على السوشيال ميديا والمنصات الصحفية أن الأولى تعمل دون ضابط أو رقيب، بينما المؤسسات المهنية لديها سياسة تحريرية واضحة ومشددة يتم اتباعها، كما أن لديها حارس للبوابة لا يسمح بنشر أي معلومة دون تدقيق وتحقق من مصداقيتها، كما أنها تلتزم بتصحيح أي خطأ حال وقوعه وهو ما لا يحدث على منصات التواصل الاجتماعي.
**هل يؤثر الذكاء الاصطناعي على مستقبل الصحفيين؟
الذكاء الاصطناعي من الموضوعات الجدلية وهو لن يؤثر على مستقبل الصحافة فقط ولكن على كثير من الأمور، ورأينا قادة التكنولوجيا في العالم يحذرون قبل شهور من خطورته، كما أن إيلون ماسك مالك منصة تويتر الشهيرة نفسه أكد أن مستقبل البشرية مهدد بالفناء بسبب الذكاء الاصطناعي، وأعرب عن بعض المخاوف من استغلاله في بعض التطبيقات التي قد تؤذي وتشوه الحياة عموما، كما أن هناك مخاوف من تقنية تسمى “”deep fack أو “الزيف العميق”، وهي تستخدم في محاكاة ما قد يصوره العقل البشري، وفي النهاية هناك صعوبة في التفرقة بين ما ينتج عن طريق الذكاء الاصطناعي وما هو حقيقي.
**إلى أي مدى يمكن ان يؤثر استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الإعلامي؟
تأثير الذكاء الاصطناعي على وسائل الإعلام قد يكون كبيرا، وفي مايو الماضي تم بث صورة لانفجار في مبنى وزارة الدفاع الامريكية “البنتاجون” وتسببت في هبوط البورصة الأمريكية، قبل أن يتم اكتشاف أنها مزيفة عن طريق الذكاء الاصطناعي، وعلى الصحافة ان تأخذ ما يفيد من هذه التقنية وأن تبتعد عما يضر، وهناك موقع شات جي بي تي الذي يستخدم لكتابة نصوص وموضوعات صحفية، وهناك تجربة نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، حينما تم استخدام برنامج شات جي بي تي لكتابة مقال عن الذكاء الاصطناعي مستوحى من أفكار هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الشهير الذي بلغ ١٠٠ عام مؤخرا، وقام بالفعل بكتابة المقال مما يدل على خطورة استخدامه.
**ما تقيمك لأداء اتحاد الصحفيين العرب في الفترة الأخيرة؟ وإلى أي مدى ترى قوة التمثيل المصري داخله؟
أعتقد أن الصحفيين المصريين ممثلين بشكل جيد داخل اتحاد الصحفيين العرب، ولكن أرى أن اتحاد الصحفيين العرب نفسه يحتاج إلى إعادة نظر فيما يخص انضمام الأعضاء إليه.
**ما هي الملاحظات التي تراها في الوضع الحالي لاتحاد الصحفيين العرب؟
في الحقيقة من غير المعقول أن من يفقد تمثيله داخل نقابة بلده يحتفظ بموقعه وعضويته داخل تشكيل اتحاد الصحفيين العرب لفترة قد تتجاوز ١٠ سنوات في بعض الأحيان، كما أن الاتحاد يعاني قصورا في أنشطته وأصبح مجرد اجتماعات وسفريات فقط، بينما هناك غياب عن مناقشة القضايا التي تهم الصحفيين في الوطن العربي، كما أن البعد القومي الذي أنشئ من خلاله على يد الأستاذ حسين فهمي نقيب الصحفيين المصريين الأسبق عام ١٩٦٤ أصبح غائبا بشكل كبير، وأصبحنا في احتياج لثورة حقيقية داخل اتحاد الصحفيين العرب.
**هل ترى أن الصحفي الشاب في الوقت الحالي ينقصه التدريب والتأهيل الكافي قبل الدخول إلى سوق العمل؟
وجهة نظري أنه قبل التدريب يجب أن يكون الصحفي الشاب يمتلك الموهبة، وفي الفترة الأخيرة سئمنا ممن يعملون بالواسطة أو يهبطون على المهنة ب”الباراشوت”، ويجب أن يكون العامل بالإعلام لديه الأساس الذي يمكن البناء عليه وتطويره وثقله من خلال التدريب، وللأسف يحدث في بعض الظروف أن يتم الاستعانة بعناصر لا علاقة لها بالإعلام وتدريبها وصناعتها ولكن هذا ليس في صالح المهنة بالتأكيد.