منتدى القصة

“الصيفية”

( قصة قصيرة )

في آخر أيام العام الدراسي، وعند إعلان نتائج الطلاب وبداية الإجازة الصيفية، كانت هناك قرية وادعة على ضفاف مرتفعات عسير تقع على امتداد الطريق السياحي المعروف بطريق الحجاز، بدأت تنتعش بقدوم أهلها المتواجدين بالمدن الكبرى بدايةً بالمتقاعدين، والذين كانوا مرتبطين مع أبنائهم بالمدارس، اكتست الأرض خضارًا وارتوت ماءً جراء الأمطار التي انهمرت بغزارة خلال موسم الربيع، وكانت الأشجار والبساتين تبدو محملةً بما لذ وطاب من الفواكه الصيفية اللذيذة: المشمش، الرمان، الفركس، التين، الخوخ، البخارة، الكُمثرى.
في ظهر يوم أربعاء جميل، عاد (ظافر) لبيته بعد أداء صلاة (الظهر) وبيده مقاضي المنزل، والتي اشتراها من المنشية في وسط (النماص)، ومنها (البطاط) العربي الذي تحبه كثيرًا زوجته (مهرة) وابتدرها منفعلا بلهجته: “ترى ما أفتكرت بعد أشري من البطاط ذيه إلا المرة تيه..تبغين من البطاط العادي يبت لك أما ذيه فيقعد ليدتي!” -جدتي-
مهرة : “يه يه الله غني من مقضاك ومن بطاطك ذا سمعوا به من أكرم للقذال..خل ياخي لا عدت تقضي شيء إذا عدت أو تمنه وتصيح علينا عبا اليوم”..
تبحلق فيها ظافر ليرد: “طيب حديك بكم شريت السطل السعيل ذيه؟ خلي صحت عليك
الله يصيح على العدو ليس ودي أعطيك”
مهرة : “دريت عنك .. كني أعلم الغيب ؟”
ظافر : “هيا تصدقين إنه بـ 400 ريال!
هو طاب لك ذلحين؟ إني ما صحت إلا من العار !”
مهرة : “يا وااابه عسى الله يهب لهم نابلة
وليه يغلونه كُذيه ؟”
ظافر : “كني دريت عنهم .. المهم امنعينا دخيلك، كلي من البطاط المصري وعبى أنه من ذيه وعسى ودقاق !”
مهرة : “خلاص خلاص يُقعد ماعدت أفتكرت أقول فيه كلمة”
ظافر : “عيدك”
مهرة : “أقُلك ؟”
ظافر : “عودنا فيها ! مذا معك زيد ؟”
مهرة : “ودك تخطر السوق وتهب لنا طليٍ ثابت نذبحه لخوك (فراج) وعواله والله ما تاعي إلا قد أقبلوا تراها يات (الصيفية) ولا كنك ما تدري ؟”
ظافر : “حثا عليك إلا دريت .. كني هبل ؟
وبعدين ليه أروح أشري من السوق وغنمي دمة الحوش ، وأذبح له منها كنه وزير الصحة ؟!”
مهرة “: يااااكسرتي والله يا غنمك لا فيها عينٍ مبصرة !
أقُلك انزل سوق الثلاثاء -الله يهب لك حظ- وهب لنا خروفٍ دوا يجملنا من خوك وعواله والله يا (نورة) مرته إنها تنقد الطير ذا في السماء، وأيك تقطب يوم رحنا لهم (الرياض) زمان في إجازة الربيع من خروفٍ ذبحوه لنا ما قد ريت بأكبر منه زيد يقولون حي نيد انه (نجدي) على ماقالوا .. ما قد حلي على خاطري عباه ولا يروح طعمه من مخي” .
ظافر : “إنه يعيبك ذا عند العرب أما ذا نيود فلا تتحالينه ..”
ردت مهرة وقد ابتعدت: “يه يه مذا وحيك تقول أنت ؟”
ظافر: “أقول أفلحنا أفلحنا أو نشوف!”
مهرة: “ولا تنسى ترى يبغى لنا عسلٍ وسمن، وانتبه من المغشوش ذا يقولون انهم يغذونه بفنتو وميرندا، وهب لنا نوعين قرصان وسايل عسانا نيود معصوبة ونشغثها بالسمن والعسل”
ظافر : “هيا اسمع لان .. كنك أو تعلميني أنتي بالعسل الدواء من العيفة ؟ وبعدين وين سار العسل والسمن ذا شريت قريبٍ قريبٍ هنيه ؟”
مهرة : “قريب منين يا قريب؟ وبعدين ام أنت تخلي شيءٍ أنت وبثورك؟
أيكم التحستوه في يومين!”
ظافر : “سمي يابنت الله يكفينا شرك ..
بسم الله عليه وعلى دمي ودسمي أنا وبثوري!”
مهرة : “هههههه بسم الله عليكم ..ماعليكم دول”
ذهب ظافر صباح (الثلاثاء) وأشترى خروفًا من سوق الثلاثاء في قلب النماص وحمله في سيارته الشاص موديل 1984م، وأحضره للبيت، وحين شاهدته مهرة صُعقت وأُسقط في يدها ورفعت صوتها فورًا :
“يا واااابه فيك يا مخلوق ؟ والله إن شكل لا معك اليوم من العقل صُله!”
ظافر : “فيني يوم أيش؟ مذا عبيت بك؟”
مهرة : “مذابك يوم يبت الحسيل ذيه هنيه؟ كني في قلٍ من الشغلة؟”
ظافر : “يبته أو تحلبينه ! مذا عليك منه؟ ..
وين ودِك أهبه يعني؟”
مهرة : “كنت هبته عبى العرب في المطبخ؟”
ظافر: “أهبه في المطبخ يهلك يوع !”
مهرة: “ما عليه دول كنه أغلى من خرفان اليماعة تي يهبونها، وكُنت إن كان بك خرعة على خروفك لا يطفح هبت له علفة فانهم كفوك يعلفونه”
ظافر: “أقُلك خليه يقعد هنيه يرعى مع الغنم حول البيت أم نذبحه ونطبخه في السقيفة، والحمد لله أيذا المركب فيها والقدور والصحون كلها موجودة”.
مهرة : “والله لا غرني إنك ما يبته إلا عشان أو تطبخه هنيه..أقُلك طلبتك امنعنا من الخويس والله لا معي بأخس من شغلتك، وبالله إن تفكنا وتطبخه في المطبخ شف مطبخ (الظهارة) يهول العقل وتراها ولا أو تفقرك 80 ولا 100 ريالٍ ولو هبتها فيه ومنعتنا من العفيس”.
ظافر : “لا إله إلا الله .. أعميتينا يا مرة والله لا قد قُلت علم إلا ورديتيه في نحري !”
وبعد يومين وصل (فراج) أخو ظافر وعائلته جوًا إلى مطار (أبها)، واستقبلهم ظافر صباحًا وحملهم في سيارته الصالون موديل 1988م واتجهوا مباشرةً إلى (النماص)، وفي الطريق وبعد الترحيب الحار من قبيل.. “ارحبوا .. ارحبوا مرحبًا عداد السيل” ،”الله يحييكم تحية المطر” ، “مرحبًا عداد ما خطيتوا من الرياض إلى هنيه” ، وترحيب خاص بالأطفال “مرحبًا لي مرحبًا لي .. أخذني موت موتكم يا ذا أو يا يون يسلمون على عمهم ويصيفون معه”
فراج : “والله إنا تعبناك ياخويه -بيعن ويهك- يوم أو تجي تستقبلنا من أبها وتودينا (الديرة)
ودي إنك ارتحت فإنا كنا ركبنا ولا استاجرنا سيارة من المطار “.
ظافر : “أقول -الله يصلحك- وليه تستاجر سيارة بذاك الحساب وأنا هنيه وكن عليه دول ولو ييت خذتكم، والحمد لله تراها تمشية ولا فيه تعب ولا شيء -الله يوفقك- ، وكني لو ييت الرياض وأستاجر وأنت موجود ؟ واسمع حرام ياواجبكم إن تاخذونه ما بنقول اليوم فإنكم بتكونون تعبانين لكن بكرة وبنخليها رحلة وغداء في منتزه شعف آل وليد إن شاء الله”.
فراج: “لا إله إلا الله وشبك ياخويه -الله يهديك- في الحرام ذيه كُل ساع، وخيرك سابق أيذاك كل سنةٍ تذبح لنا”.
ظافر : “فأيش ولو ذبحت لكم كني ذبحت من البثور؟ .. تراه هرفيٍ صغير أو نذبحه ونتمرق عليه نحمد ونشكره عداد يوده، وبعدين هو فيه أغلى منكم؟” يا

فجأة تحاول (نورة) بالمقعد الخلفي الاقتراب من أُذن (فراج) بالمقعد الأمامي ثم أخذت توش وش له: “امنعونا من الغداء خلونا نُرقد إني ولا ضيعت مهرة تصبح بويهي مع فكة الفير!”
فراج بصوت منخفض وهو يُشير بيده بسرعة خاطفة على فمه: “أصه أصه .. الله يرقد نهض العدو !”
فراج : “عساني فداك ياخويه .. والله يخلف عليك ويكثر خيرك يا بصري، والله إنا ما نوفيك جمايلك”.
ظافر : “بالعافيتين ولا فيه جميل بين الأخوان ولا للخو إلا خوه”.
وفي الثلث الأخير من الطريق بين أبها والنماص
وتحديدًا في محافظة (تنومة) وبعد استنفاد التراحيب والسوالف والعلوم أدار ظافر شريط الكاسيت بجهاز التسجيل على قصائد لون -اللعب الشهري- وعلى صوت (الجبل) الشجي “ظافر بن حاسن”:
*في تنومة بغيت أجن وأهلي مادروا بي
عند دار الدواء يوم(ن) قلبي والع(ن) به

‏⁧*حرام ماشفت فارض الله لمنعا شبه
ارتاح في جوها الهادي ونسناسها

*صيد بيحان خلا ديرته واقفى تنومه
ثم يقلون هاجر ذا السنة واقفى لمنعا

*مصر لا تكتبر يوم(ن) فيك النيل جاري
‏الظهارة بها جوٍ لطيف وحالية ماء

*أنا شيبت والمشكى على الله منك ياشيب
ياخسارة طوانا الوقت واحنا مادرينا

———————
Bandr88@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى