كثيرة هي الآيات التي ذَكرَ الله تعالى بها ببر الوالدين، وعناية القرآن الكريم بالوالدين وحقوقهما إن بالإحسان لهما أو بالكلمة الطيبة أو بالتواضع ولين الجانب أو بالدعاء لهما وطاعتهما في غير معصية واضحة جلية.
ففي الإحسان لهما جاء في السور التالية: البقرة (83)، النساء (36)، الأنعام (151)، الإسراء (23)، العنكبوت (8)، الأحقاف (15)، وفي الكلمة الطيبة وحسن المعاملة جاءت في السور: الإسراء (24)، لقمان (15)، وفي الدعاء لهما كما في السور: إبراهيم (41)، الإسراء (24)، الشعراء (86)، نوح (28). أما في وجوب طاعتهما في غير معصية الله كما في السور: لقمان (15) ، العنكبوت (8).
دعاني للكتابة سؤال وجهته لمعالي أخي الكريم الأستاذ الدكتور علي بن عباس الحكمي عضو هيئة كبار العلماء سابقًا والعميد الأسبق لكلية الشريعة بجامعة أم القرى، حول السبب في أن الآيات القرآنية دائمًا تكون موجهة للأبناء ببر والديهم وهل ذلك يدل على أن حب الوالدين للأبناء بالفطرة؟!
جاء رد معاليه كالتالي:
“لا شك أن الوالدين يحبون أولادهم بالفطرة، وكذلك الأولاد يحبون آباءهم وأمهاتهم بالفطرة كذلك. ولكن وصية الله تعالى للأولاد ببر والديهم والرفق بهم جاءت لأن للوالدين على الأولاد حقوقًا ليس للأولاد مثلها ولا قريبًا منها على الوالدين، ومن تلك الحقوق: أنهما السبب في وجودهم، وأنهما بذلا ما في وسعهما لحمايتهم ورعايتهم وتربيتهم وقد أفصح القرآن عن ذلك بقوله: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء: 24).
وكان حق الأم أعظم لما وجدته من معاناة وألم في سبيل وجوده وخروجه للحياة: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) (الأحقاف: 15)، وفي قوله: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) (لقمان: 14). هذا فضلًا عن المعاناة النفسية التي يلقاهما الأبوان بسبب خوفهم على ولدهما من أن يصيبه أدنى مكروه، إلى غير ذلك مما يبذله الوالدان لولدهما مما يصبح حقوقًا متراكمة لا يستطيع الولد الوفاء بها مهما عمل.
ولا شك أن ما يفعله الوالدان من إحسان إلى أولادهما دافعه الأكبر هو غريزة الحب والشفقة الفطرية المتأصلة في الوالدين التي جعلها الله في قلوبهما نشأ عنها جميع تلك الاهتمامات، وترتبت عليهما لك الحقوق المتراكمة.
يروى عن عبدالله بن عمر -رضى الله عنهما- أنه رأى رجلًا يحمل أمه في المطاف على ظهره فقال له: أرأيت أني قد أديت حقها؟ قال: لا ولو بطلقة من طلقات الولادة. أو كما جاء في الأثر. أسأل الله أن يرزقنا البر بوالدينا أحياءً وأمواتًا، وأن يصلح لنا ذرياتنا لنسعد ببرهم ودعائهم”.
0