عام

هل الإلحاد قادم لا محالة؟

النزعة الإلحادية بدأت بالتغلغل في أوساط الشباب، وساعد في تسلله الفراغ الذي نتج من غياب التطرف والتشدد والإرهاب؛ فأصبح الميدان مفتوحًا على مصراعيه أمام الموجات الإلحادية التي بدأت تلقى قبولًا لدى عدد لا بأس من الشباب من الجنسين واستغلال ذلك من قبل بعض رواد الفكر الإلحادي الذين قاموا بنشاط هائل لتشكيك الشباب بدينهم وعلمائهم، وتأصيل فكرة أن التطرف والإرهاب صورة حتمية للتدين وتشويه وسطية الإسلام؛ ما جعل بعض الشباب ينساق وراء هذا الرتم المتتابع للشبهات والقضايا الشائكة التي قام بطرحها علنًا رواد هذا الفكر لمناقشتها ليس للبحث عن رأي الدين والعلماء فيها بل من أجل أن يتم مناقشتها من قبل الشباب دون وعي عبر منصات التواصل الاجتماعي للوصول إلى نتيجة واحدة، وهي أن الدين عبث وخرافة ووسيلة للسيطرة على الناس، واستحضار تجربة الجماعات الدينية المتطرفة وغيرها وما صنعته في المجتمعات الإسلامية، وهذا يقودهم إلى أن يهربوا من التدين، وبالتالي إنكار وجود الخالق بل وكرهه من قبل فئة مازالت تؤمن بوجوده.

هذا التيار الإلحادي وجد مناخًا مناسبًا بسبب زُهد بعض العلماء والدعاة عن طرح هذه الشبهات علنًا، ومناقشتها والرد عليها خوفًا من الأثر العكسي لها وكان هذا مفيدًا فيما مضى عندما كانت وسائل الإعلام وفق نسق معين، وضمن سيطرة من الجهات المختصة لكن ذلك لم يعد مفيدًا مع الإعلام المفتوح والفضاء الواسع والواقع الجديد الذي لم يعد لأي إنسان خصوصيته المعتادة بل إن العالم اصبح يشاركك تفاصيلك قسرًا دون أن يكون لك أي قدرة أن تقاوم هذا الواقع الحديث.
وهذا خلق مساحات واسعة لكل مسيء للدين في أن يبث شكوكه وأهدافه الخبيثة عبر منصات التواصل الاجتماعي ويسرح ويمرح بحرية مطلقة فلم يعد هناك سلطة عُليا على الإعلام، وهذا ما جعل الإلحاد يتغلغل دون أن يُجابه بقوة فعلية تجابهه بالفكر والحوار والجدال المنطقي؛ فالجبهة مازالت هشة أمام تلك الموجات الإلحادية وعدم وعي بعض الجهات المناط بها مجابهته بحجم الكارثة القادمة إن لم تجابه بسياسات ومبادرات واعية وقوية قادرة على مقارعة ذلك بالحجة والموعظة الحسنة.
الإلحاد هو من يقود محاولات بعض الشباب إلى التمرد على القيم الاجتماعية من خلال مظاهر سلوكية بدأت واضحة على البعض منهم وهو أيضًا يقود إلى المثلية وحرية الاستمتاع بالجسد والحياة دون قيود وممارسة كل رذيلة متاحة؛ لأن الدين في نظره مجرد خُزعبلات وضياع وقت، وهذه أخطر مرحلة تجعل من هؤلاء الشباب ينساقون نحو الخيانة بشتي أنواعها ومن ذلك خيانة الوطن؛ لأن ليس هناك أي اعتبارات تحكم فكره وتضبط سلوكه، وهذا ما يريده رواد هذا الفكر لشبابنا.
ربما لا نجد الفكر الإلحادي ظاهرًا في بلادنا؛ لأنه لم يرتقِ لأن يكون ظاهره لكنه بدا واضحًا في بعض الدول الأخرى لأنه يتغذى على البطالة والتشتت الأسري، وضعف المناهج التربوية وغياب السياسات العدلية، وسيطرة الحزبية والتكتلات الدينية المتضادة .
الحل فقط يكمن في ارتقاء العلماء والدعاة لمنابر تلك المنصات لمجابهة تلك الأفكار، ومقارعة الحجة بالحجة والتورع عن ذلك غير محبب في هذا الوقت، والاكتفاء بالجلوس بالمسجد وحلقات الذكر نمط لا ينفع مع شريحة كبيرة من الشباب التي تتواجد في مساحات البث المفتوح وغائبه عن منابر الوعظ والذكر.
نحتاج إلى خطاب متوافق مع سطوة العصر، ويرتقي لحجم الكارثة القادمة لا سيما وأن هناك تجربة ناجحة جدًا في مجابهة التطرف والتكفير والإرهاب ومن مكتسبات هذه التجربة تجعلنا نستطيع أن نجابه هذا التيار الذي تغلغل خلسة بين الشباب، ومن خلال الأسرة والخطاب الديني الفكري الواعي والذكي نستطيع أن ننتصر فحجة الدين أقوى.

• مستشار أسري ومدرب معتمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى