يحبس العالم أنفاسه حاليًا بانتظار الآثار الناجمة عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلفة، لا سيما مجال الاقتصاد الذي يُعد أحد أكثر القطاعات حيوية، وله تأثيرات سياسية واجتماعية، ويأتي التخلي عن العنصر البشري (الأفراد) في مقدمة الآثار السلبية المتوقعة على الاقتصاد.
ومن المعروف أن لكل فترة زمنية مر بها العالم التكنولوجيا الخاصة بها، فمثلًا في السابق تم استخدام تقنيات حديثة في قطاعات مختلفة، حتى في القرون الوسطى من استخدام المزارعين الأوروبيين للمحراث أول مرة، والذي أحدث ثورة في القطاع الزراعي في تلك الفترة إلى اختراع آلة نسج القطن، والتي أسهمت بدورها في أتمتة صناعة المنسوجات القطنية في القرن الثامن عشر الميلادي.
غير أن هذا التطور لم ييسر أو يسهل الأمور كما توقع الكثير من الناس، أستند في ذلك على ما جاء كتاب ألفه أساتذة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجية (MIT) بمدينة كامبردج الأمريكية؛ دراسة استطلعت فيها عدد مكون من ألف عامل من التكنولوجيا، بداية من اكتشاف المحراث إلى عملية استخدام أكشاك الدفع الذاتي في وقتنا الحاضر. ركزت الدراسة على نجاح تلك التكنولوجية في خلق فرص العمل ومكاسبها الاقتصادية، وخلصت الدراسة في النهاية إلى أن بعض التكنولوجيات أدت إلى ساعات عمل أكثر في ظروف قاسية وممارسات غير أخلاقية، مثل ما حصل في محالج القطن في الجنوب الأمريكي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، والتي أدت إلى توسع العبودية في تلك الفترة.
في وقتنا الحاضر أدى اقتحام الذكاء الاصطناعي مجالات كثيرة، ومن ضمنها الاقتصاد إلى تساؤلات حول آثاره السلبية المحتملة، على الرغم من أن المكاسب الاقتصادية من هذه التكنولوجيا مؤكدة وحسب الإحصاءات -والكلام لمؤلفي الكتاب- تتراوح قيمتها سنويًا من أربعة عشر إلى اثنين وعشرين تريليون دولار، ما يوازي حجم الاقتصاد الأمريكي الحالي.
لكن تظل التحديات قائمة ربما أهمها وصول مزايا هذه التكنولوجيا إلى الجميع، فعلى سبيل المثال، تزامن انتشار السكك الحديدية في إنجلترا في القرن التاسع عشر الميلادي مع الإصلاح الديمقراطي السريع، لتصل مزاياهما إلى المجتمع الأوروبي الأوسع، لكن عددًا من الخبراء يقولون: إن رأس مالية المساهمين ميزت آخر أربعة عقود، وقللت من إمكانية هذا التوسع، لكن الخوف الأكبر بالطبع هو استبدال وظائف يشغلها العنصر البشري بالذكاء الاصطناعي، ففي مناطق مثل شرق أوروبا، وجد أن المهن والمهام الروتينية التي يقوم بها الأشخاص العاديون هي الأكثر عُرضة للاندثار نتيجة لخطر تدخل تقنيات الأتمتة كالذكاء الاصطناعي فيها؛ وذلك بنسبة قد تصل لنحو أربعين في المئة.
هذه بعض العوامل التي ستُساعد في تحديد كيفية تشكيل الذكاء الاصطناعي لحياتنا الاقتصادية -والنص لازال من الكتاب، من سياسات مكافحة الاحتكار التي تضمن المنافسة الصحية بين موردي الذكاء الاصطناعي، وتؤدي في النهاية إلى إعادة تدريب القوى العاملة لضمان حياة كريمة لهم.
0