في أحد الصباحات الجميلة، تلقيت اتصالًا عزيزًا على قلبي، وإذا بهءت الصوت المفعم بالحيوية والنشاط، وبعد السؤال عن الحال، شكرني على الكلام الذي ذكرته بحقه في إحدى التغريدات وقلت عنه “إنه قدوة وينقل تجاربه للأجيال”.
وكعادة الذي يصحو من النوم ولم تبتل عروقه بعد، رحبت به وأنا محرج منه فقلت على استحياء من معي لو تكرمت؟، قال بكل تواضع: “أنا بكري عساس”. أهلًا دكتور، قال شكلك دوبك صاحي وأزعجتك؟، قلت: أبدًا صاحي ومصحح وكان صوتي باين عليه القائم من النوم، قال: شكلك من النوع الذي يسهر فقد شاهدت لك رسالة بالواتساب في وقت متأخر، والصحفيون قال عنهم محمد حسنين هيكل: إنهم أشبه بالعسس يسهرون الليل، قلت فعلًا يا دكتور وهذه واحدة من أعباء مهنة المتاعب التي قد لا يشعر بها البعض. أخذت انطباعا بأنه يقرأ حتى في غير تخصصه، المكالمة لم تتجاوز الـ ١٥ دقيقة واستعرض معاليه فيها بعض القصص والمواقف والكتب والكتّاب، شعرت حينها أنني أمام شخصية موسوعية غير عادية وكانت مكالمة الدكتور بكري بن معتوق عساس، مدير جامعة أم القرى السابق وجبة إفطار شهية بالنسبة لي في ذلك اليوم.
بعد أسبوعين تقريبًا كتب الدكتور فيصل الشميري ثلاثة مقالات في صحيفة مكة الإلكترونية استعرض فيها إنجازات ومواقف وأخلاقيات الدكتور بكري عساس الذي كان شاهدًا عليها إبان فترة عمله بقسم الإعلام، والدكتور بكري مديرًا للجامعة بدون أي تنسيق أو ترتيب بينهما. اتصل بي معالي الدكتور بكري، ورحبت به قبل أن يبادرني بالسلام وقلت مرحبًا دكتووووور، فضحك بضحكته العفوية الجميلة وقال: فضلًا يا أخويا عبدالله “بدون ألقاب” وأخذ يشكر الدكتور فيصل على ما كتبه عنه وكان محرجًا منه، وقال: الحامعة كبيرة ويا دوب تتذكر الوكلاء والعمداء بحكم اللقاءات والاجتماعات معهم والموقف الذي ذكره الدكتور فيصل (ناسيه) ولكن فضلًا أحتاج رقم الدكتور فيصل الشميري. في نفس الليلة كلمني الدكتور فيصل قائلًا: تواصل معي مدير الجامعة السابق الدكتور بكري عساس وشكرني على ما كتبت بحقه وأبدى الدكتور سعادته بالاتصال وأسرّ لي أستاذ العلاقات العامة حبه لمعاليه في الله ….
ختامًا
وأنت تقرأ محتوى هذا المقال تجد العديد من القيم الدينية والإنسانية التي يحملها ابن مكة البار، الموسوعي، بكري بن معتوق عساس الذي هو بالفعل قدوة للأجيال فهو إنسان شهم ويحمل الكثير من القيم، ولهذا لا نستغرب الحب الذي يلقاه من المجتمع حتى بعد أن غادر كرسي مدير الجامعة، وقبل أن أنهي كتابة هذا المقال سوف أذكر لكم (روشتة) لعلها تفيدكم في صحتكم، وقد أرجأت التنويه عنها لتكون خاتمة للمكالمة التي دارت بيننا وهي أن معاليه عندما كان مديرًا للجامعة كان يسمع العديد من عبارات الشتم والنقد غير الموضوعي وقد طلب منه أحدٍ المسؤولين بمحاسبتهم وإدخالهم مجلس الجامعة تمهيدًا لفصلهم ولكنه رفض ذلك ومع إصرار المسؤول على محاسبتهم قال بكري عساس: هم شتموك وإلا شتموني؟ (أنا مسامحتهم)!. ثم قص لي موقف للإمام أحمد ابن حنبل حينما سُئل: «أين نجد العافية؟» فقال: «تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات»، ثم قال: «بل هي العافية كلها».
هذا باختصار سر توهج ابن مكة البار معالي الدكتور بكري عساس الذي صح فيه قول الشاعر:
إذَا امتَلأت كَفُ اللَّئيَمِ مِـنَ الغِنَى
تمَايلَ إعجَاباً وقَال أنَـا أنَــا
ولكن كَرِيمُ الأصلِ كَالغصن كُلَّمَـا
تَحمَّـــلَ أثْمَــاراً تَـواضَع َوانْحَـنىَ