بين ما ينبغي وما هو كائن هوة تزيد حيناً وتصغر حينا، وهي في هذا ربما تطاولت كثيراً حتى باتت هوية الحالة، وعنوان المقالة.
يرى “ديفيد هيوم” أن الحياة المثالية والعيش الهانئ ليست سوى مجموعة من الأسس التي تبنيها وتقوم عليها، وجعل الصداقة الحقيقة أحدها، ويأتي هذا اللف على ألسنة الكثير من المفكرين والفلاسفة، وطبيعيا يتوازى هذا القول إذ لابد للروح من روح تشعر فيها بقدر ما تشعر بها وتناصفها ما يسعدها تهيئة لما لا يسعدها، وبهذا يتكامل الإنسان بغيره ويتفاعل الخيط بنظيرة ليحقق نسجاً كامل البهاء.
من خلال تتبع مقولات علماء النفس نرى تلازم الحديث بين الصداقة والحب، وقد يتفقا في بعض ما يتخلل الانسان في والأنا ووجباتها تجاه الآخر، إلا أن الحب فاز بالعمق في حين أن الصداقة فازت بالاستقرار.
يكفي الصداقة هذا الفوز، وفي وجهة نظري أن الاستقرار أكثر تحدياً من العمق، ومادام الصداقة سبقت فقد استحقت إجلالاً يجعل منها العلاقة الأكثر حظاً، والمستحق الأول لتاج الوقار.
نأتي على العنوان لنسطر البيان الأسود في هذا السرد الأبيض من خلال انتفاء المعنى الجميل ودخول النقيض والخروج من دائرة المفترض إلى بوابة الواقع الضيقة.
تسلطت المادة كعادتها لتشكل خارطة طريق مختلفة وسناريوهات خاصة للعالم تقبل التبعية ولا تقبل الابتكار وتنأى عن التدخل الإيجابي بقدر ما تفرزه من حالة عصيان مدني ضد الطبيعة ونواميس الكون الفاضلة.
من ضحايا المادة علاقة الصداقة، والتي لم ينصفها الحمقى فيما مضى ولن تنصفها الحياة في هذا الزمن، حتى باتت المادة هي الأسس التي عادت معها كل العلاقات، ونصبت نفسها محل العلاقات ومعيار الحب والكره، والاقتراب والابتعاد.
لم يعد هناك وقت لمحادثة صديق، فضلاً عن لقائه، وتقاصرت الآمال حتى لم يعد هناك مجال للسؤال عنه، وكيف يصنع وما أورده ذلك التقصير من جفوة قاتمة وإهمال مزدوج وآل الامر بطبيعة الحال الى ضعف سلطة الروح ونعي الانسان للإنسان واستكمال طريق الحياة بالهياكل مجردة من الحب والقلب والشعور.
مؤسف أن تُصيّر الصداقة رفاهية بعد أن كانت أساساً، وتنقلب من مناقشة الحال الى مناقشة الوجود، وهذا ربما إيذان بدخول العالم حالة جديدة من انفصالات كثيرة وعداوات أخرى تلوح في الأفق، ومادام الأكثر استقراراً قد عبث به الشتات وخلخله الاضطراب فما بالك بغيرة!؟
ختاما…كن سبباً في تمكين الروح ونبذ المادة.
0