المقالات

دوري المحترفين وشعرة المجانين

قدَّم فيلم (إسماعيل يس في مستشفى المجانين) صورًا مختلفة للمجانين داخل المصحة العقلية، إحدى تلك الصور ذلك المجنون الذي يبدو متزنًا في كلامه وعاقلًا في تصرفاته ثم تنتابه فجأة حالة من الجنون فيغني *(أنا عندي شعرة.. ساعة تروح وساعة تيجي)!* ويظل يُكرر هذه العبارة حتى تذهب عنه تلك الحالة! وحال (بعض) المؤثرين في الغرب (على مستوى: السياسة – الإعلام – الرياضة – الفن.. إلخ) بشكل عام لا يختلف كثيرًا عن حالة ذلك المجنون؛ حيث كثيرًا ما تنتابهم حالات تتغير فيها ردود أفعالهم.

على سبيل المثال، في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعانيها الكثير من بلدان الغرب، وعندما *(جاءتهم شعرة حرية التعبير)*، اجتمع الاتحاد الأوروبي، لا لمناقشة تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد ولا لطرح حلول دون استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، بل كان اجتماعهم لمناقشة موضوعات الشاذين! وقال كبيرهم: (نحن أمة المتحولين)! و(فرضت) بعض الاتحادات الرياضية وضع شعار (المنحرفين) على الذراع الأيسر لقادة الفرق في الدوري المحلي لبعض الدول، بل إن بعض الاتحادات فرضت على “جميع” اللاعبين ارتداء القمصان وعليها شعار الشواذ! وعندما (راحت شعرة حرية التعبير) ضربوا عرض الحائط بالحرية الفردية والاختيار وعاقبوا لاعبًا أوروبيًا (من أصول أفريقية) عبر عن رأيه واختار ألا يرتدي تلك الشعارات، ولقنوه درسًا لأنه رفض وتمسك برأيه وأبعدوه عن الدوري المحلي!

شعرة أخرى (جاءت) على استحياء ثم اشتد عودها في السنوات الأخيرة، وصارت كالشعر الغجري المجنون، لكنه للأسف لا يسافر في كل الدنيا، إنما تتجه (غرته) فقط نحو دول النفط والغاز ألا وهي *(شعرة التغير المناخي)!* عندما تنتابهم الحالة، لا يرون أمامهم سوى دول النفط فيحملونها مسؤولية تغير مناخ الأرض (ارتفاع حرارة الأرض والجفاف والأعاصير وذوبان جليد القطبين …إلخ) ويطالبونها بالتوقف عن استخدام وإنتاج الوقود الأحفوري (النفط، والغاز…)! وأنه يجب على البلدان النفطية تقديم الدعم المالي والتقني للوصول إلى الطاقة المتجددة، ليس هذا فحسب بل ويطالبونها بتعويض أولئك الذين عانوا من الخسائر والأضرار التي سببتها أزمة التغير المناخي! ثم لما (راحت) الشعرة، أعلنت إحدى الحكومات الغربية عزمها إصدار مئات التراخيص الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال! وذلك في إطار سعيها لضمان مخزونها من الطاقة لأعوام مقبلة، وقال أحد كبار المسؤولين في تلك الحكومة “إن الاستثمار في بحر الشمال سيفتح المجال لمشاريع جديدة، وسيحمي الوظائف، ويخفف الانبعاثات الحرارية ويعزز استقلالية بلده في مجال الطاقة” (ونسي أبو الشباب تغير المناخ وأيامه)!

في هذا السياق، صرح د/ محمد الصبان لصحيفة أصداء الخليج بتاريخ 28 جمادى الأولى 1443:” تشرفت بترؤس وفد المملكة لحوالي ثلاثين عاماً في إطار الأمم المتحدة، وتعرفت بأن الغرب يستخدم “هوجة تغير المناخ”، للتخلص التدريجي من استهلاك النفط عالميًا، غير مهتم بما يحدث للفحم والغاز، وأنه يروج لمصادر الطاقة المتجددة لامتلاكه لتقنيات هذه المصادر، ولقد كافحنا ليل نهار حتى لا يتم تمرير مؤامراتهم التي تقضي على النفط كمصدر رئيسي من مصادر الطاقة، ولا زالوا يحاولون وإلى الآن في تمرير ما يريدونه”.

الشعرة الثالثة والتي يدور الحديث عنها منذ شهرين تقريبًا هي *(شعرة الرأسمالية)! في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، استقطب الدوري الإيطالي معظم نجوم تلك المرحلة، كان التنافس شديدًا بين الأندية الإيطالية والإنجليزية والإسبانية، والإنفاق الرياضي على صناعة كرة القدم كان نعمة (في نظرهم) آنذاك، واعتبروه عاملًا سوف ينهض باللعبة وغيرها من الصناعات المرتبطة بها (الإعلام الرياضي والإعلانات والمبيعات … إلخ) وظل الضخ المالي في تصاعد مستمر، ورغم (بعض) حالات الفساد والرشاوى للتلاعب بنتائج المباريات، لم تتحرك الشعرة لانتقاد هذا الضخ ولم تتطرق قنواتهم لشبهات تمويل تلك التعاقدات ودور المافيا أو وكلاء اللاعبين في بعض الصفقات المليونية! وكأنما استخدم الغرب مثبت شعر (Hair Gel) قويًا جدًا لمنع حركت تلك الشعرة!

وعندما قررت السعودية، (إحدى دول الG20) الدخول في مجال الاستثمار الرياضي وبدأت في استقطاب اللاعبين لتحقيق بعض أهدافها الإستراتيجية (الوصول إلى تحقيق  نسبة 0.6% من الناتج المحلي) والنهوض (بصناعة) كرة القدم محليًا، وتطوير كل ما يرتبط بها (البنية التحتية للمنشآت الرياضية والإعلام والتسويق الرياضي وتطوير النقل التلفزيوني وزيادة مداخيل رابطة المحترفين للدوري المحلي …إلخ)، والاستفادة من تواجد نجوم اللعبة للترويج للسياحة بشكل عام والسياحة الرياضية بشكل خاص، وحثهم على جذب الاستثمارات الأجنبية في هذا المجال والوصول إلى أن يكون الدوري السعودي من ضمن أكبر خمس منافسات عالميًا، حينها تحركت (شعرة الرأسمالية) خوفًا من منافسة قادمة (قد) تخطف الأضواء وتؤثر على أسعار النقل التلفزيوني لبعض منافساتهم المحلية، وأصبح الإنفاق السعودي على الدوري المحلي هدرًا للثروة وغسلًا للأموال وإفسادًا لرياضة كرة القدم!

 الخاتمة
لن تستطيع حكومات الغرب إخفاء الغطرسة الغربية والنظرة الدونية تجاه دول العالم مهما استعملوا من مساحيق وأدوات تجميل! سوف يستمرون في العمل بمبدأ الكيل بمكيالين، ولن يألوا جهدهم في وضع العراقيل للحفاظ على مصالحهم وتفوقهم حتى لا يصبح الشرق الأوسط أوروبا الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى