المقالات

الحرب ليست نزهة

قال صاحبي: هل الحروب نزهة، ولماذا إذن تتكرر في كل زمان ومكان، ولا تكاد تنطفئ أوارها إلا وتعود جذعة في مكان آخر، من المستفيد من إشعال الحروب، ومن حمّالة الحطب فيها، وهل الحرب بالوكالة هي العلاج الأخير، وهل لها أنواع؟
يروى عن كسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق قوله: “طبول الحرب تقرع، ومن لم يسمعها فهو أصم”. للحروب تجار وسماسرة في كل مكان وزمان، وخصوصًا في عصرنا هذا الذي أصبحت فيه بعض الدول لا تعيش إلا على الأزمات، وافتعالها، وتغذيتها، ورعاية من يتصدر لها ويتحمل تبعاتها القانونية أمام الرأي العام في كل مكان، وأمام المحاكم الدولية المتخصصة في جرائم الحرب، أو مواجهة المصير المحتوم بالموت إما بيده أو بيد غيره.
وللحروب أنواع، منها الحرب الباردة، التي بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام (1945)؛ حيث كان الاتحاد السوفيتي يقود الدول الشيوعية، بينما كانت الولايات المُتحدة تقود معسكرًا عرف باسم الدول الليبرالية، وكان كل من المعسكرين يُقدم أنواعًا مُتعددة من الدعاية السياسية للتأثير على الرأي العام العالمي، ومن هنا ظهر مصطلح “الحرب الباردة”، للإشارة إلى حالة العداء والتوتر التي كانت متواجدة في تلك الفترة وتتأرجح لتكون على حافة صراع عسكري على نطاق واسع، بمعنى آخر أن تتحوّل إلى حرب ساخنة.
ولكن هذا لم يحدث على الإطلاق لأن هذه الحرب لم تتفجر أبــــــدًا وظلت كما هي مجرد حرب باردة، انحصرت في الفترة بين نهاية الحرب العالمية الثانيــــــة وعصر البيريسترويكا، ويُعد مصطلح الحرب الباردة مصطلحًا مناسبًا أيضًا لأي فترة ما قبل حدوث أي حرب بين دولتين أو مجموعة من الدول، كما هو حاصل الآن بين الغرب من جهة، وبين الصين وروسيا من جهة أخرى.
ومن أنواعها، الحرب بالأصالة أو الوكالة؛ أما الحروب بالأصالة فهي حروب قليلة في مقابل الحروب بالوكالة، التي لا تكاد تنتهي الطلبات عليها، من قوى عالمية مستفيدة من اشتعالها، وفي عواصمها يجري هندستها، وإدارتها. الحرب بالوكالة قد لا تبدو أطرافها الرئيسة ظاهرة في الصراع، ولكن المتأمل فيها لن يستهلك الكثير من الوقت ليعرف أن هذه الحرب تجري بالوكالة، فمن حرب فيتنام، وأفغانستان، إلى حرب أوكرانيا والسودان، وما سيثور بعدها من حروب، يقف خلفها أطراف دولية، سعرتها، وتنتظر جني ثمرتها.
هذه الحرب الناعمة أصبحت الحرب المفضلة لكل قادر على تحمل تكاليفها، وتوجيهها، ودعمها لوجستيًا، وعسكريًا، وسياسيًا، لتحقيق غاياته، وفرض نفوذه عبر الوكلاء، للسيطرة على الدول بالقوة الحادة، التي يصعب التفريق بينها وبين القوة الناعمة لتشابههما في الوسائل والأهداف. بعض المختصين يحدد تساؤلين جوهريين للتفريق بين هذين المصطلحين، هما “لماذا” “وكيف” فإن كان الهدف من أجل التقريب والتواصل بين الشعوب فهي قوة ناعمة، وإن كان الهدف هو التدخل الناعم في الشؤون الداخلية لدولة ما، لغايات عدائية، ولتشكيل اهتمامات النخب السياسية أو التأثير على القوى الفاعلة، وتوجيه عملية صنع القرار؛ فهي قوة حادة.
غدت الحروب بالوكالة هي المختبر الأول لتجرب الدول “العُظمى” أسلحتها، وقياس فعاليتها، وللتخلص من الأسلحة القديمة، ولإثارة الخلافات في مناطق تفضل اللجوء لحوار السلاح، لا لسلاح الحوار، دون أن يلحق هذه الدول تبعات مالية، أو قانونية، ليس هذا فحسب، بل أن صفحتها ستبقى نظيفة، ويداها خالية من دماء الشعوب المتناحرة، والتي لم تستطع أنهار الدماء، وركام الجثث، والأعضاء البشرية المتناثرة هنا وهناك، أن تجعلها تستفيق من سباتها، وغيبوبتها الدائمة. الإعلام، القوة الناعمة، الحرب بالوكالة؛ غدت الأسلحة الجديدة التي أضافتها الدول الكبرى إلى ترسانة أسلحتها المدمرة.

قلت لصاحبي:
يردد تجار الحرب بالوكالة، بصيغ متعددة “الحرب ليست نزهة” ولكن أفعالهم وانصياعهم لمن يملك إشارة تفعيلهم تكذب أقوالهم.

من كتاب” مصطلحات في الإعلام السياسي للكاتب”

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button