المقالات

استراتيجية “كاوست”.. عتبة التنمية وشرفة المستقبل

منذ البدء، كانت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية فكرة خلاقة تهدف لخدمة البشرية انطلاقاً من دعمها للمعرفة والبحث لعمي، ومنذ انطلاقتها في العام 2009 وهي تمثل نموذجاً مثالياً لدعم الابتكار والمشاريع العلمية التي تعود ثمارها للعالم من حولنا، بحيث تصبح قبلةً معرفية تستقطب أبرز الأسماء والأفكار التي يمكن استثمارها في صناعة المعرفة، هذه الصناعة التي يمكن أن نعدها صناعة الصناعات. وقد شهدنا مؤخراً إطلاق سمو ولي العهد للاستراتيجية الجديدة التي تهدف إلى تحويل العلوم والأبحاث -في الجامعة- إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي من خلال التركيز على الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار.
“عهد جديد” تمثله الاستراتيجية -كما أكد سموه- التي تدور حول محاور (صحة الإنسان، واستدامة البيئة، والطاقة المتجددة، واقتصاديات المستقبل)، ” لتكون كاوست “منارةً للمعرفة، ومصدراً للإلهام والابتكار، تماشيًا مع طموحات رؤية المملكة ٢٠٣٠ من أجل مستقبل أفضل للمملكة والعالم”.
تمثل الاستدامة أحد التحديات التي تواجه المشاريع العظمى كما نعلم، ولعل الاستراتيجية الجديدة تعزز الجهود في هذا الصدد، وتحول الجامعة إلى نموذج من نماذج الاستدامة والإنتاج المثمر المواكب لتطورات العصر على الدوام. ويحضر للذهن مثال من أمثلة كثيرة، يتمثل في مبادرة إحياء الشعاب المرجانية بالشراكة مع “نيوم”، من أجل الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي، عبر زراعة وإعادة إحياء مئات الآلاف من الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة بالبحر الأحمر، وتُعد الاستراتيجية الجديدة نافذة جديدة نحو الشراكات الدولية المختلفة التي من شأنها تعزيز التبادل المعرفي والتقني، والإسهام في تعزيز الابتكار وتطوير الحلول المستدامة لمشكلات بيئتنا.
ليس من الصعب ملاحظة الأولوية التي أولتها الاستراتيجية للبيئة عبر حملة التوعية بتغيرات المناخ، في محاولة لرفع مستوى الوعي بالضرورة وضرورة العمل على مكافحة الظاهرة المناخية المؤثرة في الأرض، وتشجيع الأفراد على اتخاذ إجراءات للحد من انبعاثات الكربون والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وتعمل كاوست على تحقيق ذلك بما تقدمه من برامج توعوية وتثقيفية، وتنظيم حملات إعلامية وأنشطة اجتماعية تسهم في تنوير المجتمع وتعريفهم بآثار الظاهرة وطرق مواجهتها. هذه البرامج الاجتماعية، تشمل تطوير مشاريع تعزز الزراعة المستدامة، وتدريب الشباب على مهارات الاستدامة والحفاظ على الطبيعة، وتوفير الفرص الاقتصادية المستدامة للمجتمعات المحلية، كما تقوم “كاوست” أيضًا بتعزيز التواصل والتعاون بين المجتمعات لتبادل الخبرات والممارسات المستدامة. وقد حرصت الاستراتيجية الجديدة حسبما أُعلن عنه على تشجيع روح ريادة الأعمال والابتكار بين الطلاب والشباب المهتمين بالبيئة، من خلال مسابقات وورش عمل وبرامج تدريبية، وتعزيز قدراتهم في مجال الابتكار وتطوير مشاريع مستدامة تحمل الفائدة الاجتماعية والبيئية. وحينما نتأمل مبادئ الاستراتيجية نجد أن الابتكار والاستدامة ركيزتان أساسيان تقوم عليهما، وذلك من خلال الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا، وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، لنحقق توازنًا بين التقدم الاقتصادي والحفاظ على الطبيعة. يمكن القول إن كاوست إحدى الشرفات التي نطل من خلالها على العالم، وهي إسهامنا الذي نقدمه للبشرية، ومن شأن الاستراتيجية الجديدة أن تعزز هذا الدور، وتدفع به نحو آفاق أكثر اتساعاً، آفاقٍ تُستثمر فيها العلوم والتطورات التكنولوجية لرفاه الإنسان، والحفاظ على البيئة، وبناء مستقبل أجمل للأجيال القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى