تمرُّ بالإنسان في مسيرة حياته العمرية مواقف لا تُنْسَى، تظل عالقة في الأذهان ولها أثر كبير في النفس تغني عن مواعظ خطابية ودروس بلاغية بما لها من أثر كبير في النفس. موقف جميل مر بي مع فضيلة الشيخ محمد السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام -رحمه الله- عند مقابلتي له في إحدى المناسبات، وكنت وقتها علي وشك مغادرة المملكة في بعثة للدراسة بالخارج، طلبت منه النصيحة؛ قال -رحمه الله- كلمات ظلت في خاطري طوال أيام البعثة، قال-رحمه الله- :”أوصيك بجهاد السلوك كن داعيةً بسلوكك، انقل صورة إيجابية لدينك ووطنك وأمتك في بلاد الغربة، فالسلوك الحسن والإخلاص والصدق في التعامل من أعظم أنواع الجهاد مستشهدًا بالآية الكريمة (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)(البقرة: 83) عندها تكون قد خدمت الإسلام خدمة عظيمة”. انتهى كلامه رحمه الله.
تذكرت هذا الموقف خلال زيارتي الأخيرة لخطيب الجمعة وعضو هيئة الفتوى الأوروبية في المركز الإسلامي بلندن فضيلة الدكتور فايد محمد سعيد، المركز الذي يمتلئ في أوقات الصلوات بالمسلمين من كل الملل والنحل والأعراق والأجناس الذين شرح الله صدرهم للإسلام، ودخلوا في دين الله أفواجًا بدون إكراه بل باقتناع بأنه الحق من ربهم.
وبعد أن قدمني فضيلته وطلب مني التحدث؛ ذكرت لهم قصة انتشار الإسلام في شرق آسيا التي تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم، لم يذهب المسلمون إلى تلك المناطق البعيدة بجيوش غازية، ولم يخوضوا مع أهل تلك البلاد حروبًا، إنما ذهبوا لتلك البلاد تجارًا يحملون قيمًا كريمة ومُثُلًا عُلْيا، منها الصدق في التعامل فنالوا ثقة تلك الشعوب وعندها حققوا القاعدة التي تؤكد أن الإسلام ليس ظاهرة فقهية فقط بل هو نهج حضاري وأسلوب حياة، يغزو الأفئدة قبل البلدان، فقد غادر التجار المسلمون المشرق الإسلامي باتجاه تلك البلاد عن طريق البحر فأخذوا يتبادلون السلع التجارية مع أهل تلك البلاد بالصدق والإخلاص والأمانة، فوجد أهل تلك البلاد فيهم الصدق وعرفوا فيهم العفة والتعامل الحسن، وأيقنوا أن هذا كله من أثر العقيدة الإسلامية التي يحملونها، فأحبوا الإسلام ودخلوا في دين الله أفواجًا لدرجة أن أكثر المسلمين في وقتنا الحاضر والبالغ عددهم حوالي 2 مليار مسلم هم من ذلك الجزء من العالم وأصبحوا – ولله الحمد- من أبنائه المخلصين، وبذلك تمكن المسلمون الأوائل من نشر الدعوة إلي الله عن طريق نقل الصورة الجميلة عن الإسلام في خارج بلدانهم.
يجب أن يدرك كل فردٍ منا أن العبادة هي علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس، ولا بد أن تنعكس العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين الناس.
فغير المسلم لا يهمه إن كان الإسلام يحرم السرقة والغش والكذب وغيرها، بقدر اهتمامه بمدى تطبيق المسلمين لما ورد في كتاب الله الكريم.
0