الثقافية

على شدا ريته ..!

ارتبطت الجبال بحياة ساكنيها وأذهانهم ، ولشدة تمسك أبناء الجزيرة بموطنهم وحبهم لأرضهم وجبالهم فقد شبه صاحب السمو الملكي الأمير ( محمد بن سلمان ) ولي العهد شعب المملكة العربية السعودية بجبل ( طويق ) ذلك الجبل الذي يمتد بصلابته وعنفوانه وشموخه وسط المملكة.

وقد تغنى الشعراء قديما وحديثا بالأماكن وخاصة الجبال حيث أنها جالبة الذكريات وشعار القوة والمنعة ، فمن أشعار الذكريات يتداول باستمرار قول جرير :

ياحبذا جبل الريان من جبل

 وحبذا ساكن الريان من كانا

وشبه الشعراء الرجال بالجبال لقوتها ومنعتها فقال الشاعر علي بن بلال اليامي :

بالله تفكر فالرجال وفالجمال وفالجبال

واقرن بعضها في بعضها والمعاني وارده

ومن شدة اعتزاز أبناء الجبال بجبالهم انتسب بعضهم إليها فتقول الشاعرة هدى الزهراني :

إني لشاعرة الجبال وبنتها

لشموخها نسب إلى أشعاري

ولجبال السراة في قلوب أبنائها ارتباط وجداني و حب عميق وذكريات خالدة ولعلنا نرى هذا في أبيات الشاعر الكبير الدكتور صالح بن سعيد الزهراني :

يا جبال السراة .. غيرك ينسى

لستِ ممن يموت حُباً وينسى

بين جفنيك تستريح حُروفي

 تتجلّى أحلى وأعمقُ جَرْسا

فاعصري الغيم في فمي واغرسيني

في بلادٍ طابت تُراباً وغرسا

علِّميني صفوَ الهوى واشرحي لي

يا قلاع الجنوب في الحبِّ درسا

يا جبالَ السراةِ حُمِّلتُ هماً

 في زمان ماتَ الورى فيه حِسّا

قال ابن خُرمان:

ومن الجبال التي رسخت في عقول الناس وقلوبهم جبل شدا أو جبلي شدا بمعنى أدق ذلك الجبلان الأشمان الباسقان اللذان تقع جذورهما في تهامة بينما هامتيهما تطاول السماء وتوازي جبال السراة وتعلو عن الغيوم .

جبلا الشدوان بهما الآثار و تحاك حولهما الأساطير ،  ينتجان البن والموز والكادي ، ومن أهم انتاجهما الرجال الأشاوس الذين يفتخرون بانتمائهم إلى شدا الذي يقف كالحارس على تهامة .

تغنى الشعراء بهذا الجبل في الشعر الفصيح منذ الجاهلية وعصور الإسلام وتغنى ولا يزال يتغنى به شعراء الشعر الشعبي حتى الوقت الحاضر .

ذكر الشاعر أبو الجياش الحجري الأزدي الشدوين في شعره بقوله :

فجبال السراة فالفرع الوسطى

حكين الجنان فالحيفاء

فالشدوان من سقامة فالمرحلة

المرجحنة النجلاء

 

وقال الشاعر يعلى الأحول الأزدي :

أرقت لبرق دونه شدوان 

 يمان وأهوى البرق كل يمان

 وفي شعر النظم ربط الشاعر الدكتور عبدالواحد بن سعود الزهراني بين جبل طويق وجبل شدا في أبيات ضمن قصيدة له ربط جميل بين قبائل المملكة واتحادهم تحت ظل الحكم السعودي مدافعون عن وطنهم ومقدساتهم قال فيها :

احنا شدا يازهارين و عتيبة قمة طويق

في ظل سلمان قوة تحتمي مكة و طيبة

 

وباقي القبايل مثل زهران و عتيبة مطاليق

نبقى على قلب واحد عند الأوقات العصيبة

ويقول الشاعر عبدالرحمن بن محمد الزهراني الملقب ( صليب الرأس ) مشيراً إلى اعتزاز زهران بجبل شدا :

نعم أحب الجبال وهي للأرض الوتاد

ولولا كرامة شدا زهران ما تذكره

قال ابن خُرمان :

أما شعر الشقر وخاصة شعر العرضة الجنوبية والذي يغلب عليه الشعر الحماسي والفخر والاعتزاز فقد ورد كثيراً في قصائد الشعراء لن يتسع المجال لسرد جميع ما وقع بيدي ولكنني سأكتفي بإيراد بعض مما قيل عن شدا .

فالشاعر خرصان الغامدي رحمه الله يقول في مدح رجلين من المنطقة ويشبههما بشدا غامد وشدا زهران وكأنه هنا يؤكد قول الشاعر علي اليامي الوارد سابقاً :

قدر الله بين شيخان غامد لازمة

والجمل يلقى جمل

بو محمد وابو احمد رجال وشي كنوز

عند كل ماكفاه

ذا شدا غامد وهذا شدا زهران قبله

اسمها واحد وهي من بعاضيها بعض

ومن أقوال الشاعر جمعان بن موسى الحسني الزهراني رحمه الله ممتدحا الرجال ومشبها لهم بالجبال ( الأنصب وشدا ):

موسى وغازي جددوا العلم من جديد

رجال قالات وشيمه ولازمه

موسى كما الانصب وغازي كما شدا

تفي يامسكين في تالجبال الجيره

خل الجبـال التاليه وش حدابها

أما الشاعر الكبير صالح بن محمد اللخمي الزهراني فيصف جبل شدا وجمال طبيعته وحسن مناظره وما يحتويه من الجمال والمنتوجات مستوحياً قول الله تعالى في سورة النمل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) فيقول :

الله ارفع قمتك عن كل قمة يا شدا زهران

وابدع الخالق وسوى من صخورك لوحة فنية

لوحة يعجز يسوي مثلها النحات والرسام

ينتج البن الذي يهني وللباحة يصدر موزه

والعيون الزرق تجري والثمر من كل شيجرا

الجبال الشامخة في ارض الجنوب كثير ما هي قلة

زود عن مية جبل لكن ما شيٌ كما شدا

وللشاعر عيضة بن طوير المالكي رحمه الله عدة قصائد عن شدا منها هذه التي ينزه شدا عن كل نظرة :

الله اكبر مبعدك عن كل نظرة ياشدا

جبل (ن) يرقب على الساحل ويبدي عالسراه

والقواصف والزلازل والصواعق ما تديرة

وان رمته الصاعقة وش تأخذ البرق منه

ويقول الشاعر عيضه بن طوير ايضا في قصيدة أخرى مستدعييا جبل شدا لشموخه وعزته :

مرحبا ترحيبةً مايزنها الا شدا

مايزنها الا شدا حنّه آعز الجبال

يالله ان تسقي شدا يوم اشوفه ينتج البن

كل ما طالت غصونه تمايل ربها

ومن أقوال الشاعر عبدالله الذبياني ممتدحاً شدا وسكانه ويؤكد على قصيدة الشاعر ابن طوير السابقة عن شموخه وعنفوانه:

يا اهل المثايل ما شدا الا شدا غامد وزهران

ما مثل سكانه و لا في الجبال اللي تطوله

ويش ذا الجبل حتى البروق القواصف ما تهده

تهوي وترجع في عنان السما وشدا محله

والقصيدة التالية لشاعرمن زهران يسمى الأعمى رحمه الله كان وأخوه عميان ويقصدان مع بعضهما ، والشاعر في هذه القصيدة يتمنى لشدا ألا يزول أو يتهادم ويسقط في وادي سقامة الوادي الموالي له ثم يذكر السبب أنه لم يجد له نظيراً ولا لإنتاجه من البن شبيهاً ، و القصيدة برواية الشيخ سعيد العنقري الزهراني :

ياشدانا لا تقول باطيح في وادي سقامة

والله انا ودنا تقعد مكانك يا شدانا

لجل ما رينا كما بنك ولا مثلك مكاين

والجبال التالية ما ضقت منها لو تهادم

و للشاعر الكبير عبدالله بن عيضة البيضاني الزهراني عدة قصائد تطرق فيها إلى جبل شدا نورد بعضاً منها ، ومنها هذه القصيدة – التي اقتبست منها عنوان المقال – يشير فيها إلى أن شدا من شدة ارتفاعه يشاهد السحاب الذي يحيط بقمته من أرض السراة ، بل أن البروق التي تضرب قمة شدا تضيء الطريق إلى بيشة في الشرق من منطقة الباحة فيقول :

قال الهُريري على أرض التِهم وعلى شدا ريت

ريت السحاب الذي هلّت مع الغبّش أنواه

لو أسري الليل بأتنوّر من البرق واضـّـــــــــــــاح

وآصل إلى بيشة وآحصّل على بيــشه ناوي

 

ومن أقواله يوضح أن مكانة شدا تزيد في قلوب الناس خاصة وأنه مكان للنمورة:

ياشدا زهران يا محرز ضريات النمور

تاريخك معروف من غير الكتابة والنمور

وي نحن نغليك يوم نشاهدك والا نمور

والله الوالي ولا غير الله الوالي ولي

ومن قصائد الشاعر هذال الزهراني رحمه الله نذكر هذا الجزء من إحدى قصائده:

والنمورة والاسودة والذيابة اللي شدا رباها

عاهدوها غامد وزهران مايلحقك منا باس

يا شدا ضليت بيح وصرت في مضمورة المحمية

تنحمي وانت الذي ترقب تهامة واحتميتها

ادخل على الله عظيم الشأن ثم ادخل على أبو فيصل

يا فهد حنا وما نملك لكم واترك شدا لنا

والله انا ما بنرضى حيد من قلة شدا ينهده

قد صبرنا على شدا ونحبه اكثر من عيالنا

وللشاعر محمد بن مصلح الزهراني رحمه الله عدد من القصائد تطرق فيها إلى ذكر جبال شدا نكتفي هنا بايراد هذه القصيدة يرى فيها أن بن شدا أكثر جودة من بن البرازيل :

یاموز يا موز في وادي الغلا لاهل ذي عين

ومغرس البن والكادي في أصدار حزنه

يا ماحلا لفة الريحان والطلع مايل

بن البرازيل مايجي كما بن شدانا

ويأتي الشاعر محمد بن دغيثر رحمه الله ليؤكد ما ذكره ابن مصلح عن بن شدا بقوله :

عام الاول قلت باروح واشري بن شدا

قالوا اهله ما نبيعه وغيره ما شريت

دونه اسوارً وقوم يرقبونه كل يوم

شرفك ربي على كل بن يابن شدانا

حرم الله غيره ما شريت ولا اشربا

قال ابن خُرمان :

ولعلي أختم مقالي هنا بهذه القصيدة للشاعر الكبير الدكتور عبدالواحد بن سعود الزهراني والتي يذكر فيها شدا وما ينتجه من البن والريحان وغيرها ثم يمدح شدا الذي لا يهتز ولا يتأثر من البروق التي تصيبه ثم يلوم الجبل في عدم تجاوبه ويذكّره أنه جبل مثله :

ياشدا فيك طلع البن والريحان واللايمون

عن غيرك ما سمعنا عن جبال تطلع البن شاما

ويش هو بن خولان الذي يقلون وش ليمنه

فيك ذيك الغيوم إلى دعى الشدوان تروي جبلهم

وفراعٍ توقد للبروق النار من هضبها

كم جبال تطيح من البروق وكم جبال تهزا

لكن أما شدا لو هزه البركان ما اهتز له

أنا مدري شدا ما يلتفت للناس وإلا شدا أعمى

أنا مثلك جبل لو تلتفت لي يا جبل ريتني

ختاماً :

كما ذكرت سابقاً أن عدداً كبيراً من الشعراء ذكروا شدا في قصائدهم ، ووقع تحت يدي الكثير منها لكن رغبة في عدم الإطالة المملة اختصرت وأتمنى أن ينال المقال إعجاب القارئ الكريم .

والله الموفق .

 الباحة – المندق

صفر 1445 هـ / أغسطس 2023 م.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button