اسمحوا لي أن أتحدث معكم اليوم بحديث ذي شجون (ذلك أني أمضيتُ بوزارة التعليم أكثر من رُبع قرن ما بين إدارة التعليم والوزارة)، ومع عودة الطلاب والطالبات لمحاضن العلم ومنابر التعلم، أشرعت المدارس والجامعات أبوابها، وعاد انتظام الدائرة الحياتية للأسرة، رجع الليل ليلًا والنهار نهارًا، فقد دار بفكري وأنا أحتسي فنجان قهوتي مع حبات من الرطب أن المؤسسات والشركات الناجحة تسعى باستمرار لتحسين مُخرجاتها وقياس رضا المستفيدين من خدماتها؛ لتطوير منتجاتها، وقلت في نفسي لو أردنا أن نطبق هذه القاعدة على التعليم، وسلمنا بأن مخرج العملية التعليمية هو الطالب.. فكيف نستطيع قياس التحسن الطارئ عليه؟ وما هي المعايير المطبقة؟ وهل سنتفق عليها؟! فلو أن طالبًا كان متميزًا في مواد دراسية معينة، وأخفق في غيرها أو حقق تميزًا في مهارات وأخفق بأخرى، وهل تختلف معايير القياس باختلاف المراحل الدراسية؟ وما هو التوقيت المناسب لعملية القياس وهكذا؟ ثم أسندت ظهري وتساءلت ما هي معايير قياس رضا المستفيدين من العملية التعليمية؟ وبسرعة استقمت جالسًا، وقلت ولكن من هم المستفيدون أصلًا من العملية التعليمية أهو ولي الأمر أم سوق العمل أو غيرهما؟ ثم هل يمكن أن يكون الطالب مخرجًا وبنفس الوقت يكون مستفيدًا؟! وبعد صراع أفكار وأخذ ورد، انتهيت إلى أن العملية التعليمية أكبر وأهم من كل هذه النظريات، نعم نستأنس بالنظريات ونستفيد منها، ولكن لا نعسفها ونسقطها على علاتها؛ فليس التعليم سلعة أو خدمة عادية تُقدمها وزارة التعليم نستطيع بسهولة أن نقيس مدى نجاحها من عدمه، فضلًا عن قياس مدى الأثر الذي تحقق من أي تغيير أو تطوير أحدثته الوزارة عليه.
وطرأت لي نظرية طالما رددها رجال المال والاقتصاد ألا وهي الكلفة والمردود أو بعبارة أخرى النفقة والمنفعة ثم توقفت حين تذكرت الحكمة التي تقول: إذا كان العلم مكلفًا فإن الجهل أكثر كلفة وأشد مرارة.
0