الخنبقة أو (الخمبقة) تعني العشوائية والفوضى وعدم الجدية والتصرف باستهتار والتناقض في الأقوال والأفعال؛ مع عدم الإحساس بالمسؤولية، الأمر الذي يترتب عليه التمرد على العادات والتقاليد والأعراف بل ربما تجاوز الأنظمة والقوانين. وتبقى التنشئة الاجتماعية السلبية سببًا رئيسيًا في وجود هذا السلوك المشين، وقبل ذلك عدم الخوف من الله -عز وجل- في حفظ الأمانة وتحمل المسؤولية، والمشكلة أن مصطلح الخنبقة لا يرتبط ببيئة معينة دون غيرها ولا بمستوى علمي أو ثقافي ولا بمركز اجتماعي دون آخر؛ فقد تُمارس الخنبقة على المستوى الشخصي داخل الأسرة الواحدة أو في المجالس الخاصة والعامة وفي مختلف المناسبات الاجتماعية، وربما مارسها الصغير والكبير والمتعلم والجاهل، لكن الوضع المؤلم أن تتم ممارسة الخنبقة داخل أروقة بعض المنظمات الرسمية الحكومية والخاصة على حدٍ سواء؛ لِما يترتب على ذلك الأمر من ضياع حقوق الناس والتلاعب بأموال وممتلكات ومصالح المنظمة، وممارسة كافة أشكال العبث الإداري والفساد المالي، وأن يكون مدير منظمة ما خبيرًا في شؤون الخنبقة الإدارية فتلك مصيبة، لكن المصيبة تكون أعظم حين يكون حوله فريق متكامل من المخمبقين يعمل على نشر هذا الداء في كافة مفاصل المنظمة حتى يستشري ويصبح سلوكًا طبيعيًا يتقبله العاملون في المنظمة حتى لو كان ذلك على مضض من الغالبية منهم، وفي اعتقادي أن السكوت على هذا السلوك المشين جعل أولئك المخمبقين يتمادون في إصدار كثير من القرارات المتناقضة والفاشلة، بل ولم يتورعوا عن ممارسة كثير من التصرفات الساذجة حتى أصبحوا روادًا لمدرسة الخمبقة الإدارية، وفيما يلي سوف نستعرض نماذجًا من الخمبقة الإدارية:
• كما ذكرت آنفًا أن الخمبقة الإدارية يمكن ممارستها في كثير من المنظمات بغض النظر عن نشاط تلك المنظمة، ومن الأمثلة الحية على ذلك؛ لو بحثنا في أنشطة وقرارات الإدارة في بعض الأندية الرياضية لوجدنا الكثير منها تُمارس الخمبقة الإدارية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر ربما تقوم إدارة نادي رياضي كبير بتنسيق أحد نجوم الفريق لينتقل بالمجان إلى نادٍ آخر، ثم تقوم نفس الإدارة بعد فترة وجيزة بشراء عقد ذلك اللاعب وبمبلغ مالي كبير يستنزف جزءًا كبيرًا من موازنة ذلك النادي (خمبقة!!)، وإدارة أُخرى تطرد مدربًا وتدفع له الشرط الجزائي (ملايين الريالات)؛ ثم تعود بعد فترة قصيرة للتعاقد مع نفس المدرب وبعقد جديد يفوق عقده الأول.
• البيئة السلبية في بعض المنظمات تسهم بشكل كبير في تسرب معظم الكفاءات لديها وتفتح الباب على مصراعيه لمغادرة كثير من أصحاب الكفاءة والخبرة؛ ليلتحقوا بالعمل لدى منظمات أخرى وبمزايا مادية ومعنوية أفضل، وفي الجانب الآخر تجد نفس المنظمة تستقطب وبعقود فلكية أشخاص أقل كفاءة ممن غادروا؛ بل وليس لأعمالهم وخبراتهم السابقة أية علاقة بالعمل الحالي؛ ليمارسوا شتى أصناف الخمبقة، ويكفي أن أحدهم لا يدرك الفرق الشاسع بين قيادة التراكتور وقيادة منظمة أكاديمية، ومع ذلك يتم استقطابه ووضعه على قمة هرم إدارة أحد أهم أجنحة المنظمة (خمبقة!!)، ولأنه كما يُقال أتى للمنظمة وهو مجرد: (حافظ لكن مش فاهم حاجة!!)؛ وحتى يداري ضعف خبرته بأنشطة المنظمة فأصبح يعمل على تهميش من تبقى من الكفاءات داخلها؛ ولا يتعامل معهم بل يحاول الانتقاص من قدراتهم والتقليل من خبراتهم في كل مناسبة تتاح له فيها الفرصة لهذا الأمر؛ بل وأصبح بكل وقاحة يهددهم باستقطاب كفاءات خارجية لتقوم بأدوارهم الرئيسة؛ دون أن يدرك ذلك الضعيف أن قدرات أصغر منسوبي المنظمة عُمرًا وأقلهم خبرة تفوق خبرته وخبرات وقدرات من يقوم باستقطابهم للعمل لدى المنظمة؛ حيث إن إبداع وقدرات وخبرات أيًا من منسوبي المنظمة في مجال القيادة والتطوير والتنمية والعمل الأكاديمي تفوق خبرته في التعامل مع الأجهزة والمعدات الثقيلة، ولكن هذه الخمبقة سوف تحوله قريبًا من شخص حافظ مش فاهم حاجة إلى شاهد ما شفش حاجة.
• إدارة منظمة تتفنن في إقامة الاحتفالات واختراع المناسبات طوال السنة المالية، وتنفق على هذا الأمر مبالغ مالية باهظة، وفي الوقت نفسه تعجز تلك الإدارة عن توفير أدنى أدوات العمل اللازمة لقيام الموظفين بمهامهم الأساسية كأوراق الطباعة والأقلام ناهيك عن توفير أدوات ومستلزمات النظافة، بل ربما عجزت عن توفير صابون غسيل اليدين ومناديل دورات المياه -أكرم الله الجميع- (خمبقة!!).
• إدارة مؤسسة تستقدم محاضر من إحدى جامعات بلاد الواق واق (كخبير) من أجل تنمية وتطوير قدرات ومهارات موظفيها.. ثم يتضح أن قدرات ومهارات موظفي المنظمة أكبر بكثير من إمكانات ذلك المحاضر حتى إن ذلك الخابور عفوًا الخبير أصبح مجرد مستمعًا جيدًا لهم تعلم منهم الكثير ثم غادر إلى بلاده وهو يتمتم (ياعمي دي ناس طيبة أوي.. أنا كنت جاي أدربهم دربوني. تعلمت منهم كثير من المهارات واكتسبت منهم خبرات كبيرة، والأهم من هذا كله أخذت فلوسهم). وهم اكتفوا بمجرد الحصول على أوراق كرتونية؛ يقصد الشهادات (قمة الخمبقة).
• الختام:
لا بد أن نشير إلى أن هناك فرقًا كبيرًا بين الخطأ و(الخمبقة)؛ فإذا كان معنى (الخمبقة أو الخنبقة) هي العشوائية والفوضى، والتسيب والتصرف باستهتار، فإن الخطأ هو مجرد اجتهاد ومحاولة جانب صاحبها الصواب، ولكنه بكل تأكيد تعلم من تلك المحاولة كيفية التصرف بطريقة صحيحة في المرات القادمة، ولذلك فإن ما يصدر من قرارات ارتجالية وتصرفات صبيانية من بعض الإدارات هي (خمبقة) بكل ما تحمل الكلمة من معنى! فاللهم يا حافظ! احفظنا من الخمبقة وابعدنا وابعد عنا كل مخمبق.