وأنا أقرأ أحدث تقرير عن الحوادث المرورية على الطُرقات، وما نتج عنها من خسائر مادية وبشرية كبيرة، رجعت بي الذاكرة لأيام بعثتي إلى بريطانيا لدراسة الدكتوراة قبل أكثر من ثلاثين عامًا، كان وقتها محاولة الحصول على رخصة قيادة بريطانية يُعد من الأمور الصعبة جدًا بسبب الاختبارات العملية والشفهية التي يجب على المتقدم اجتيازها قبل تمكينه من قيادة المركبة.
كثيرًا من زملائي المبتعثين في تلك الفترة الزمنية حاولوا أكثر من مرة في الحصول على رخصة قيادة بريطانية ولم يوفقوا.
لا يزال في الذاكرة، محاولة أحد الزملاء المبتعثين، والذي امتدت إقامته في بريطانيا لأكثر من ثماني سنوات، حاول أكثر من خمس مرات ولم ينجح في الحصول على رخصة القيادة، لدرجة أن مسؤولي منح رخص القيادة في المدينة أصبحوا أصدقاءه ويعرفونه بالاسم.
ذكر لي ذلك الصديق أنه بعد انتهاء دراسته، قام بإعادة محاولة نيل الرخصة البريطانية قبل رحيله إلى المملكة، وفي يوم الاختبار – والكلام لا يزال للزميل – قال نظرت إلى الممتحن الذي يقعد بجانبي، وقلت له: “أنا حصلت على درجة الدكتوراة للتو، ولا أظن أن الحصول على رخصة القيادة سيكون أصعب من الحصول على رخصة القيادة، خاصة ولدي خمس محاولات سابقة لم يكتب لي فيها النجاح”؛ قال الزميل: “نظر إليَّ الممتحن” ثم قال: “أتمنى لك التوفيق في هذه المرة”.
اجتزت بنجاح الامتحان العملي، وبعده الامتحان الشفوي بتفوق، بعدها جاء دور امتحان الإشارات المرورية. سألني الممتحن عن شكل الإشارة التي تواجه السائق عند ولوجه من طريق جانبي إلى الطريق السريع، عندها تملكني شعور بأنني سوف أحصل على الرخصة هذه المرة لا محالة. قلت له وأنا في قمة الثقة: “إنها على شكل دوائر تبدأ بالتدريج من الصغيرة إلى الأكبر منها، وبعدد سبع دوائر وبألوان مختلفة”. عندها قال الممتحن: “كلامك صحيح جدًا، ولكن هذا ليس هو السؤال، سؤالي هو ما هي هذه الألوان بالتدريج؟”، بالتأكيد، لم أكن أتوقع هذا السؤال الصعب تمامًا، من أجل ذلك لم أستطع الإجابة عليه، عندها اعتذر الممتحن بكل أدب وقدم أسفه الشديد على عدم تمكني من اجتياز الاختبار؛ متمنيًا لي النجاح في المرات القادمة.
من هذه القصة يتضح لنا الأهمية التي يوليها النظام في بريطانيا لمن يريد الحصول على رخصة قيادة، لأن عدم تأهيل قائد المركبة، ربما يؤدي إلى كوارث لا تُحمد عقباها. كم نحن بحاجة إلى التأهيل قبل التمكين!
0