المقالات

تحطم الدبلوماسية !

كم كانت الحياة صعبة؟ بعدم توافر موارد كافية تجعلك تعيش حياة كريمة.
وكم كانت الحياة بسيطة؟ في التعامل مع بساطة الناس ونقاء القلوب.
كانت التجهيزات المدرسية بسيطة جدًا، لا تتعدى شنطة وقلم! وبعض الدفاتر أبو 40 !، وقد تستمر معك بعضها سنوات إلى الأمام.
وكان أغلب الطلاب يفرحون بالالتحاق بالمدرسة؛ ليرتاحوا من عناء الرعي والزراعة، وكنت أحد أولئك الطلاب الغلابة! فكنت في البادية مع والدي -رحمه الله- في الوادي الطالع بمنطقة عسير، وذهب بنا إلى منزلنا الآخر في قرية العطوف ببلحمر، وبدأت السنة الدراسية وكنت في الفصل الثاني الابتدائي بمدرسة صفوان بن أمية، والتي لا يتعدى مجموع طلابها آنذاك 30 طالبًا، وكانت تحت قيادة مديرها الأستاذ الفاضل/ عبدالله بن بريق، وكان يتميز عن طاقم التدريس بأنه يملك عصا خيزران، ويا ويلك وسواد ليلك من المعلمين ومن المدير لو تفكر في الخطأ أو التقصير في أداء الواجبات، ومع ذلك كانوا قدوة وصنعوا أجيالًا عظيمة، ولهم منا الدعاء بالتوفيق وأن يديم عليهم الصحة والعافية.
ومن أغرب تجهيزات المدرسة لذلك العام بأن والدي -رحمه الله- وفّر لكل واحد من أخواني شنطة دبلوماسية ! (سامسونايت) وإلى الآن لا أعلم لماذا كان جيلنا يسميها دبلوماسية، وهي لا تحمل من الدبلوماسية إلا اسمها!
والغرابة في ذلك بأن أبي لم يكن ميسور الحال، ولا يملك الإمكانات المالية التي تجعله يقدم على شراء مجموعة من الشنط لي ولأخواني الأربعة آنذاك، ولكن يبدو بأن كان لديه تفكير استراتيجي ونظرة بعيدة المدى بأن يكون استخدام تلك الشنطة طوال مراحل الدراسة !
وفي الأسبوع الأول من الدراسة في الفصل الثاني الابتدائي خرج فصلنا من المدرسة، وكان عددهم 4 فقط ووجدنا كرة قدم في (حوش) المدرسة فوضعت الدبلوماسية! على سيارة أحد المدرسين ولعبنا قليلًا بالكرة، وفي هذه الأثناء طلع الأستاذ صاحب السيارة (رحمه الله)، ولم يشاهد الدبلوماسية التي تحمل في طياتها الهجاء والجغرافيا والخط وأثناء حركة السيارة سقطت وقام بدعسها دون قصد فتهشمت الدبلوماسية بما فيها! وكان يومًا أسود في حياتي.

من يستطيع إقناع والدي بذلك الحادث؟! ومن يستطيع إقناع والدي بأن يوفر لي دبلوماسسية أخرى؟! وقبل كل ذلك من يستطيع تحمل العقاب الذي سوف يقع على من أهمل الدبلوماسية، وجعلها تكون في أعداد المفقودين ولم يحافظ عليها؟!
استمر الأسبوع بدون شنطة وفي انتظار والدي يصل نهاية الأسبوع؛ لكي يأخذنا إلى البادية في إجازتنا الأسبوعية لرعي الغنم خلال يومي الإجازة الأسبوعية، وبعد ذلك أعادتنا إلى القرية لإكمال الدراسة.
وعند عودتي للمنزل يوم الأربعاء وجدت والدي -رحمه الله- أمامي، وتفاجأت بمعرفته بالحادث وأول كلمة قالها: (تستاهل ماجاك وعلي عهد الله ما اشتري لك شنطة طول حياتك)
لم أهتم في تلك الكلمات وكنت أفكر في العقاب البدني، ولكن لم يحصل ولله الحمد.
وبالفعل لم أحصل على شنطة للكتب حتى تخرجت من الثانوية.
جزاء الله والدينا الجنة، وغفر لهم، وأسكنهم فسيح جناته..
لم نكن نتفهم ظروفهم المادية الصعبة، ومع ذلك حرصوا على إلحاقنا بالمدارس، وتوفير ما يمكن توفيره في حدود الإمكانيات حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه..

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button