من المؤكد أن حب الأم من الفطرة، ومن المؤكد أن حب الأم من الأمور المسلمة في حياة الإنسان، بل من المؤكد أن حب الأم واجب شرعي حث عليه الدين الإسلامي وأكد عليه… (أمك، ثمّ أمك، ثمّ أمك،… الحديث). فمن منا لا يعشق أمه التي ولدته وربته؟ ومن منا لا يحبها؟ ومن منا لا يسعى إلى رضاها؟ تلك الأم العظيمة التي ضحت وتضحي بحياتها ليل نهار من أجل أبنائها، تلك الأم التي تبذل كل ما تملك وما لا تملك، تلك الأم التي لاتهدأ نبضات قلبها، ولا يهدأ بالها إلا برؤية فلذات كبدها وهم حولها في أتم الصحة والسعادة، تلك الأم التي تُخفي عنهم من الألم والتعب حتى لا تكدر خاطرهم، ولا تشغلهم عن دنياهم ..! أي ورق يحتمل حروف تحكي عن الأم؟ أي كتاب يحتمل جمل تتحدث عن الأم؟ أي مجلد يحتمل قصص تُروى عن الأم؟ وأي حياة تحلو عند فقدان الأم؟ وأي مكان يحلو دون رؤيتها؟ وأي زمان يعوض غيابها؟ لله درك يا أرق مخلوق، وأجمل مخلوق، وأنبل مخلوق.
مادعاني لهذه المقدمة المستحقة عن الأم هو الشعور الشخصي الطبيعي الذي يحتويني تجاه أمي، بل هو شعور كل الناس إلا من شذ عن هذا الحب المقدس ..! ولكن ما استوقفني حقيقة في هذا الشأن تحديداً أحد الأصدقاء الأفاضل حين حضرتُ إلى مقابر الشهداء بمكة المكرمة؛ لدفن والدته حيث لاحظت كل ألوان الحزن في عينيه على الرغم من تماسكه وثباته ولكن يقيناً”العين تدمع والقلب يحزن”. وهنا يقول الصديق الشاب بجاد العصيمي عن رحيل والدته _رحمها الله تعالى: “انتقلت إلى رحمة الله والدتي حبيبة قلبي، وأنيسة روحي نور البيت وضياءه، رفيقة الجلسات والضحكات. حقيقةً..لم أستعد لرحيل حبنا أبدًا- اللهم لا اعتراض-كنت مؤمن أنَّ مثل هذه الروح ستبقى حولنا، ستظلنا، ستسعدنا، ستملأُ حياتنا أبدًا بالفرح.. الله لطيفٌ بنا وبها..مهّد لنا ولم يطلْ عليها شدّةً لكن مازال قلبي معلق ٌ بأمل أنها ستشفى وستعود كنت أرددُ وأطمئِنُ أحبابي وأقول (بترجع أحسن وبتنور بيتها….)في القلبِ شعثٌ لايلمّهُ إلاّ الله.. أعلم أن أبجديتي قاصرة، وشمائل قلبنا لاتحتملها..يـــــارب..بلغها شوقنا العظيم، وحبنا المتنامي وأعلمها يا الله أننا سنردد أذكارنا في أريكتها حتى لاتفتقدها الأمكنة ،ولتستبشر أننا سنكثر من كل خيرٍ كانت تفعله ونتعاهدهُ حتى نلتقي. أحبك أمي.. وحسبي أنك كنت تعلمين وافتقدكِ أبدًا.
وبعد هذا الحديث الشجي أيها الصديق العزيز والشاب المحترم “بجاد” لقد أبكيتني بهذه الكلمات العميقة تجاه أمك، لقد أبكيتني بهذه الكلمات الصادقة تجاه من تهواها، لقد أبكيتني بهذه الكلمات الجميلة تجاه من تعشقها والتي تحمل أسمى معاني الحب والصدق والعشق. وبلا أدنى شك أنك ستفعل من خير ومعروف لوالدتك قبل أن تنطق شفاهك، وأنك تبادر بالعمل الصالح قبل أن يُطلب منك، وأنك على العهد والوعد والوفاء ما دمت حياً. وعزائي الكبير في رحيل والدتك الفاضلة أنك أنت الابن البار في حياتها وكذلك بعد مماتها، وأن سجودك لن يخلو من الدعاء لها، وأنك في حلك وترحالك لن تنساها بالتضرع الدائم لله تعالى، وفي كل وقت وحين. غفر الله لها ورحمها وأسكنها فسيح جناته وجميع موتى المسلمين والمسلمات، وغداً نلتقي جميعاً في جنات الخلد عند مليك مقتدر.