المقالات

الإساءة إلى المُصْحف الشَّريف؛ ثغرةٌ في سنِّ القوانين، وموقف السعودية تأكيد على قيادتها للمُسلمين

يخرج على المُسلمين بين الحين والآخر أحد المُفلسين المعتوهين ليُسيء إلى القرآن العظيم، محتميًا بقوانين عوجاء ترى في فعله الشنيع حرية رأي وتعبير.
وقد أسميتها “عوجاء” لكونها لا تُحقق الهدف الأساسي من سنِّ أيِّ قانون، فالهدف الأساسي كما هو معروف عند القانونيين تنظيم سلوك الفرد أولًا، لأن سلوكه ينعكس على المجتمع ككل؛ فقيام أحدهم بإشعال الحطب في مكان يرتاده الناس، هو فعل مخالف يستدعي فرض الغرامة على مُرتكبه كما تنصُّ على ذلك قوانين معظم الدول، وليس الغاية من هذه العقوبة مصادرة حرية الفرد في ذلك، بل لأن فعله قد تسبب بمضرة “مُحتملة” على الغير، وفي شأن ذلك قرَّر الإسلام قاعدة فقهية عظيمة وردت في حديث سيد المرسلين ﷺ وهي: “لا ضرر ولا ضرار”، أي: لا يجوز للإنسان أن يضرّ بنفسه ولا بغيره بمختلف أنواع الضرر.
يتمثل الاعوجاج الذي ذكرته آنفًا في قوانين بعض الدول -خاصة الغربية- حينما تأذن بأعمال تستفز وتهُين شعوبًا بأسرها تحت ذريعة حرية التعبير، فمع أن حرية التعبير قيمة إنسانية مُهِمَّة، إلا أن هذه الدول لا تزال غير مُدركة بأن حرية الفرد تتوقف عند الإضرار بالغير ماديًا أو معنويًا، وهذا الذي عمدت على تأكيده بيانات الدول الإسلاميَّة المُستنكرة، والتي أكدت جميعها على أن الاعتداء على حُرمة المصحف الشريف بالحرق أو التمزيق عمل مستفز ومُهِين للمسلمين، فإذًا ما قيمة حرية هذا الفرد عند تسببها بإهانة شعوب يُمثل تعدادها ربع سكان العالم؟!
بل ما قيمة حرية هذا الفرد أمام ما جرى تأكيده في بيانات الدول المُستنكرة؛ من أن هذه الأعمال المستفزة تُعدُّ سببًا رئيسيًا لنشأة الجماعات المتطرفة؟!
ولم يتوقف الأمر عند الاعوجاج فقط، بل زاد على ذلك تمايز في تطبيق القانون المُعوج أصلًا، ويتضح ذلك عند قيام أحدهم بتمزيق أو حرق المصحف الشريف، وقيام آخر بحرق أو تمزيق أعلام “الشاذون جنسيًا”، فبالرغم من أن الفعل واحد إلا أن التمايز في تطبيق القانون جعل توصيف الأول حرية تعبير، وتوصيف الثاني جريمة كراهية!
وفي ذكر هذا المثال كفاية عن ذكر غيره لبيان هذا التمايز في تطبيق “القانون المُعوج”.
وكعادتها فقد بادرت قيادة المملكة العربية السعودية -أيَّدها الله- بالتعبير عن موقفها المُستنكر لهذه الأعمال عبر البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية، كما أنها دعت من موقعها كقائد للعالم الإسلامي لاجتماع اللجنة التنفيذية العامة بمنظمة التعاون الإسلامي على مستوى المندوبين الدائمين، ثم تلتها دعوة لاجتماع الدورة الاستثنائية الثامنة عشرة لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي بوصفها رئيس القمة الإسلاميَّة الرابعة عشرة، وسأذكر في السطور التالية أهمية الاجتماعين بإيجاز:
1-اجتماع اللجنة التنفيذية العامة:
من أهم ما جاء في بيان اللجنة التنفيذية العامة إبراز النصوص الواردة في القانوني الدولي، واستدعاء القرارات الدولية الصادرة من مؤسسات الأمم المتحدة، والتي تُعارض بشكل صريح أو ضمني سماح السُّلطات المعنية في الدول للأفراد بالقيام بأفعال مسيئة بحق المقدسات الدينية بشكل عام، فقد أشار البيان إلى أن هذه الأعمال تتعارض مع روح المادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقرار مجلس حقوق الإنسان رقم 16/18 الخاص بمكافحة التحريض على الكراهية والتمييز والوصم والعنف على أساس الدين أو المعتقد، وإلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة 34/36 المؤرخ 24 مارس 2017؛ الذي طلب فيه المجلس وضع معايير تكميلية للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وهذه الاتفاقيات والقرارات كما هو معلوم تُصبح جزءًا من القوانين المحلية في الدول لمجرد المصادقة عليها، بما فيها الدول التي سمحت بهذه الأعمال المُشينة بحق الإسلام، وبذلك يُصبح بيان اللجنة التنفيذية العامة مرجعًا قانونيًا يُستند عليه في مواجهة من يتذرع بقوانين حرية الرأي والتعبير لتمرير هذه الأعمال المُشينة والمستفزة.
2-اجتماع الدورة الاستثنائية لمجلس وزراء الخارجية:
أصدر المجتمعون قرارًا مكونًا من (35) بندًا شاملًا رسمت السياسات والإجراءات الرسمية التي يتم التعامل بها مع الدول التي تأذن للأفراد بممارسة هذه الأعمال المُشينة، وذلك على مستوى الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، وعلى مستوى الدول الأعضاء في المنظمة.
ومن تلك الإجراءات التي شملها بنود القرار دعوة سفراء الدول الأعضاء في العواصم التي تقع فيها أعمال مُشينة ضد المقدسات الإسلاميَّة ببذل جهود جماعية لحث الجهات ذات العلاقة بتجريم هذه الأعمال، وتكليف الأمين العام للمنظمة باتخاذ الإجراءات الرسمية المناسبة لمراجعة الإطار الرسمي الذي يربط الأمانة العامة للمنظمة بأي دولة تأذن للأفراد بأعمال مسيئة بحق المقدسات الإسلاميَّة، بما في ذلك تعليق وضع المبعوث الخاص، كما حدث مع المبعوث السويدي، كما أهاب القرار بالدول الأعضاء النظر في اتخاذ ما تراه مناسبًا في علاقاتها مع البلدان التي يتم فيها الإساءة إلى المصحف الشريف، بما في ذلك دولتي السويد والدانمارك، من قرارات وإجراءات ضرورية على المستوى السياسي، كما شمل القرار الطلب من الأمين العام للمنظمة تعيين مبعوثًا خاصًا معنيًا بالإسلاموفوبيا؛ لقيادة الجهود الجماعية نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي.
وقد تابعت عُقب انتهاء أعمال الاجتماعين ردود الفعل الرسمية في الدول التي سمحت بتلك الأعمال المُخزية، فوجدت عددًا من المسؤولين فيها قد أدلوا بتصريحات رافضة لهذه الأعمال، مؤكدين في الوقت نفسه على مراجعة القوانين التي تحمي من يقوم بمثل هذه الأعمال الدنيئة.
وقد تُرجمت مؤخرًا هذه التصريحات بخطوة ملموسة من حكومة الدانمارك، والتي تقدمت منذ أيام بمشروع قانون يُجرِّم الإساءة للأديان والمعتقدات تحت ذريعة حرية الرأي والتعبير بما في ذلك المقدسات الإسلاميَّة، ومما تجدر به الإشارة في هذا المقام، وعند خِتام هذا المقال؛ إن الدين الإسلامي الحنيف كان سباقًا إلى إقرار مضمون هذا القانون، فقد قال -عزَّ وجلَّ- في مُحكم التنزيل: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.

– مكة المكرمة (شرَّفها الله)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى