جاءت القمة 18 لمجموعة العشرين التي عُقدت مؤخرًا في نيودلهي تحت شعار “أرض واحدة، وعائلة واحدة، ومستقبل واحد” بعد فترة وجيزة من قبول عضوية المملكة في مجموعة “بريكس”؛ لتؤكد على صعود السعودية واحتلالها مكانة مرموقة ومتميزة بين القوى الناشئة في العالم، ورغم غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني تشي جين بينغ إلا أن القمة نجحت في تجنب الخلافات بين الدول الأعضاء بشأن العديد من المسائل وفي مقدمتها الحرب الروسية – الأوكرانية، وعودة التوتر بين الصين والولايات المتحدة، وحتى مع الهند التي كانت حتى عهد قريب من أكبر حلفاء الولايات المتحدة. وتمثل هذا النجاح في الاتفاق الجمعي على البيان الختامي للقمة (إعلان نيودلهي) خاصة فيما يتعلق بالتركيز على قضايا المناخ، وبنجاح نيودلهي في تجاوز أزمة متوقعة بشأن الموقف من الأزمة في أوكرانيا حيث لم يأتِ على ذكر “العدوان” الروسي، وحيث امتنع الزعماء عن الإشارة صراحة إلى الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا. وينظر إلى هذا الموقف على أنه تحول كبير عن موقف العام الماضي؛ حيث أدان معظم الأعضاء بشدة العدوان الروسي على أوكرانيا. وكانت الاقتصادات الناشئة مثل: البرازيل وجنوب أفريقيا والهند محورية في تحقيق هذا الإجماع غير المتوقع. لكن البيان الختامي نص أيضًا على التأكيد على أنه يجب الامتناع عن التهديد باستخدام القوة للاستيلاء على الأراضي على نحو يتعارض مع سيادة أو استقلال أي دولة.
وأهم ما يلفت النظر في حضور ومشاركة المملكة في مثل هذه الاجتماعات من قبل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حرص المملكة على أن تكون علاقاتها مع سائر دول العالم جيدة ومتوازنة، وهو ما تمثل في قمة نيودلهي بالمصافحة الجماعية بين سموه ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي والرئيس الأمريكي جو بايدن، وثمة قواسم مشتركة بين المملكة والهند في إطار مجموعة العشرين، وهو موقفهما المحايد إزاء الحرب الروسية الأوكرانية، وتأييدهما لعالم متعدد الأقطاب؛ إضافة إلى معدل النمو المتزايد في كلا البلدين. الولايات المتحدة تسعى من جانبها إلى استقطاب الهند إلى جانبها باعتبارهما – الولايات المتحدة والهند- أكبر دولتين ديمقراطيتين في العالم- والعمل من أجل تحالف ثنائي قادر على مواجهة دور الصين الذي يتزايد قوة، خاصة في ظل النزاع الحدودي بين الهند والصين، لكن يبدو أن العمل المشترك والهاجس الأكبر لروسيا والهند والصين والعديد من دول العالم وعلى رأسها السعودية العمل من أجل عالم متعدد الأقطاب، وحيث أصبحت هذه الدول تضع هذا الهدف أولوية في أجندتها السياسية.
والجدير بالذكر أن الهند ألقت دعمها وراء اقتراح منح الاتحاد الأفريقي العضوية الكاملة والدائمة في مجموعة العشرين ــ وهي الخطوة التي طال انتظارها، فغياب الاتحاد الأفريقي، وخاصة في ضوء عضوية الاتحاد الأوروبي الطويلة الأمد في مجموعة العشرين، يقوض شرعية المنتدى التمثيلي المفترض.
إن كون المملكة عضوًا بارزًا في مجموعة العشرين التي تُمثل بلدانها الأعضاء 65% من سكان العالم و80% من ناتجه المحلي الإجمالي، وعضويتها الجديدة في مجموعة “بريكس” يضعها في موقع الريادة في عالم جديد لا مكان فيه إلا للدول الطموحة التي تسعى لتحقيق التقدم والازدهار لشعوبها.