التاريخ والصحافة بينهما نسب وثيق ودقيق، وقد أكد ذلك جُل النقاد المؤرخين فالمقارنة بينهما نقول: إن الصفات الواجب الواجب توافرها في المؤرخ والصحفي واحدة، ويكاد يكون النهج الذي يسير عليه كل منهما في كتاباته وبحثه ونقده واحدة مع اختلاف يسير في الحالين، وربما كان سر الاختلاف بين الاثنين في الصفات والنهج إلى عامل الزمان، فالمؤرخ يعمل في دائرة الماضي فحسب، بينما يعمل الصحفي في دائرة الحاضر والمستقبل، بل إنه يتجاوزهما أحيانًا ويعمل كمؤرخ في دائرة الماضي، ويتحكم عامل الزمان أيضًا من وجهة أخرى في عمل الاثنين، فالمؤرخ متحرر في عمله من القيود والأغلال فلديه ما يشاء من الوقت لإنجاز عمله على الوجه الذي يبتغيه، فليس المؤرخ مطالبًا بالانتهاء من عمله في يوم محدد أو ساعة محددة، أما الصحفي فإنه يتحكم فيه عنصر الزمان تحكمًا شديدًا، فأمامه ساعات فقط لإنجاز عمله، إذا كان يعمل في صحيفة يومية ورقية ورقمية، وأمامه وقت محدد وهذه السرعة التي تتسم بها أعمال الصحفي – خصوصًا الذي يعمل في الصحافة اليومية- قد تجعل إنتاجه فجًا أو ضحلًا أو ناقصًا في أغلب الأحوال، بينما يتصف التاريخ عادة بالنضوج والعُمق والاكتمال والتمام، والصحفي معذور لأنه مطالب بتقديم إنتاجه في ساعة معينة حتى يلحق الصحيفة في موعدها المحدد.
ورؤية العلاقة بينهما من خلال ما يسمى اليوم بالتاريخ الراهن يشتركان في نفس المرحلة التاريخية التي يعالجانها، فيصبح كل منهما (شاهد عصر)، ويكاد يكون النهج الذي يسير عليه كل منهما في كتاباته وبحثه ونقده واحدة مع اختلاف يسير في الحالين، فالصحفي يبحث عن الخبر بينما المؤرخ يبحث عن صحة الخبر؛ فالخبر المسكوت عنه لدى الصحفي هو الخبر الأساسي الذي سيشكل أطروحة المؤرخ وهموم بحثه؛ لذلك نستطيع القول إن المؤرخ صحفي الماضي، وأن الصحفي مؤرخ الحاضر وبالخبر ينتهي دور الصحفي في صناعة التاريخ ليبدأ دور المؤرخ.