*حلَّت منذ أيام قليلة الذكرى الحادية والعشرون على وفاة الشيخ/ علي بن عبد الرحمن العسبلي -رحمه الله- أحد أهم الشخصيات والرموز في بلاد رجال الحجر عمومًا ومنطقة النماص وضواحيها خصوصًا، وأحد أهم أعلام منطقة عسير في زمنه، ورغم مرور كل هذه السنون إلا أن الشيخ بسمعته الحسنة وذكره الطيب مازال حاضرًا في عقول وأفئدة الناس ، ومازال بشخصيته وفروسيته وحكمته وحنكته حديث المجالس والمجتمع ، ومازالت سيرته العطرة وإنسانيته الفريدة ملىء السمع والبصر حتى يومنا الحاضر ولا أدل على ذلك إلا أن نذكر بأنه قد كُرم قريبًا وخلال الصيف الحالي في أحد الملتقيات الكبرى التي أُقيمت بمحافظة النماص؛ وذلك لأثره الطيب الذي خلفه ومواقفه وخدماته الجليلة لمجتمعه، وكل ما سبق دلائل وعلامات توفيق من الله سبحانه وتعالى.
*ويُعتبر الشيخ (العسبلي) وبحسب المصادر التاريخية للدكتور غيثان بن جريس أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد رائدًا للتعليم بالنماص وأول من أسس مدرسةً حكوميةً بالمنطقة الواقعة ما بين أبها إلى الباحة، والشيخ العسبلي لمن لم يعرفه أو يسمع عنه من مواليد النماص في عام 1333هـ، وقد عُرف بالتواضع الجم وبدماثة الخلق وحب الإصلاح بين الناس والفزعة لكل من ينصاه ويطلب منه العون سواءً كان يعرفه أم لا يعرفه؛ كما اشتهر الرجل بكرمه الحاتمي حيث كان منزله ملفًا ومضيفًا للناس، وكانت تُفتح أبوابه لأهالي النماص وزوَّارها من بعد الفجر، وتبقى سفرته مبسوطة طوال النهار وحتى صلاة العشاء، ويُقال إنه كان يمر بسوق الثلاثاء وسط النماص لمعرفة أخر الأخبار وليعزم المتسوقين والمسافرين وعابري السبيل؛ حيث لم تكُن النماص وقتها قد عرفت المطاعم والمقاهي، وكان يسعى في مصالح الناس وتفريج كربهم وإغاثة ملهوفهم وإقراض مُحتاجهم متواضعًا وجابرًا لخواطر الجميع صغيرهم وكبيرهم.
*كما اشتهر الرجل بالشفاعة للناس وقضاء حوائجهم وسداد غراماتهم؛ خاصةً لمن كانوا يُراجعون الإدارات الحكومية بالنماص في ذلك الوقت كالإمارة والمرور والشرطة والأحوال المدنية والجوزات والبلدية والضمان الاجتماعي والبنك الزراعي وبنك التسليف وغيرها ممن يأتون من البادية وتهامة ومن القرى البعيدة وحتى المجاورة؛ كما اشتهر بالتوسط في عتق الرقاب والتدخل بين المتخاصمين وكفالة المسجونين، ومن ذلك قصته الشهيرة حين كان منومًا بأحد المستشفيات بمدينة جدة ثم زاره أحد المشايخ من الباحة لأجل التوسط في قضية دم بالمجاردة فما كان منه إلا أن طلب من الطبيب نزع المغذية من يده فورًا طالبًا الخروج ومرافقة من أتوا له وتوسطوا به وهو ما أوقعهم في حرج كبير، وجعلهم يرفضون خروجه ويطلبون تأجيل ذلك حرصًا على صحته وسلامته لكنه أصر وخرج معهم وتوجهوا لبغيتهم، وكان التوفيق وبفضل الله حليفه وحليفهم؛ كما عُرف عنه أنه كان إذا علم بخلاف بين أخوة أو أقارب أو نزاعات بين جماعة أو قبيلة فيما بينهم أو مع جيرانهم أو حدداهم أو دُعي للإصلاح في أي مكان فإنه لا يتوانى ويذهب مهما بعدت المسافات وبلغت المشقات ويبقى إلى أن يُحل الخلاف باذلًا جاهه وقد يدفع من ماله في سبيل إنهاء الأمر وهو ما يتحقق غالبًا توفيقا من الله لهذا الرجل الحكيم المخلص والذي قدم النية الطيبة والعدل وعدم المجاملة ولما له من قبول ومحبة وقدر وسمعة عند الناس ومختلف القبائل؛ بل شملت علاقاته وفزعاته الفقراء والمساكين والأجانب؛ حيث وجدت أخباره الكريمة والطيبة مع المقيمين بالنماص من الجالية المصرية والسودانية واليمنية.
*وبخلاف صفاته النبيلة؛ فقد كان قائدًا مظفرًا حيث كُلف قائدًا لقبائل رجال الحجر وحاملًا للبيرق في حملة الدولة لقمع المتمردين في جبال القهر، والتي عُرفت بحرب الريث الثانية عام 1375 هـ، وكان على تواصل دائم مع قيادات البلاد وحظى بسمعةٍ طيبة وتقديرٍ ومكانةٍ خاصةٍ ورفيعة عند حكامها ومع أمير المنطقة في ذلك الوقت الأمير خالد الفيصل، وقد تلقى على إثر ذلك عددًا من خطابات وبرقيات الشكر من الملك سعود والملك فيصل، وكتب فيه الأمير عبدالله الفيصل إلى الملك وولي عهده يثني فيها على الشيخ وأعماله الجليلة، ويتذكر الجميع احتفاء الملك عبدالله به احتفاءً خاصًا حين زار النماص عام 1419هـ كما حظي وقتها باهتمام وعناية باقي الأمراء والمرافقين، وقد توفي الشيخ علي بن عبدالرحمن العسبلي في 1424/2/18هـ.
*ولذا أثرنا هنا أن نتذكر هذا الشخص العظيم والقدوة الحسنة والنبيلة وفاءً وامتنانًا له وعرفانًا بما قدمه لمجتمعه ومنطقته ووطنه وتخليدًا لذكراه العطرة وحثًا في الوقت نفسه للأجيال القادمة على السير على نهج وخطى مثل هذه القدوات المُلهمة، وترحمًا عليه خاصةً وقد تزامن ذلك مع الذكرى 21 لوفاته؛ فرحم الله الشيخ علي بن عبدالرحمن العسبلي وغفر له وأسكنه فسيح جناته وجعل ماقدمه للإنسانية جمعا في ميزان حسناته .
*معظم ما ورد بالأعلى من أحداث ومواقف وذكريات مصدره كتاب الدكتور غيثان بن جريس “القول المكتوب في تاريخ الجنوب” الجزء 28.