قال صاحبي: هناك بعض الأحداث المعاصرة التي لم يكشف الستار عنها، وما تم تسريبه من معلومات وصور وفيديوهات وشهادات الشهود لم تكن مُقنعة للبعض الذين يرون في هذا الحدث الكثير من الأسرار التي ينتظر من عاصر الواقعة، كشف النقاب عنها إما بخطأ وزلة لسان، وإما باختلاف الخلان وتبدل المواقف، وظهور بعض المستور. فكيف يمكن فهم قصة الحادي عشر من سبتمبر؟
البعض بالغ في تفسير ما حدث، مستندًا على نظرية المؤامرة، والبعض الآخر بالغ في تحميل دول وشعوب تبعات ما حدث، وهناك من سخر من هذا ومن ذاك، ولازالت فصول القصة في طي الكتمان، وشهودها الحقيقيين لم يحن أوان حديثهم، ولذا سوف أتناولها من الجانب الإعلامي فقط.
شكَّلت نهاية الحرب الباردة مرحلة جديدة في التوظيف السياسي الأمريكي للإعـلام كأحـد أدوات الـسياسة الخارجية في عصر التفرد والهيمنة الأمريكية على النظام العالمي وتفاعلاته الـسياسية والعـسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وكانت حرب الخليج الثانية الفرصة الأولى والكبيرة للولايات المتحدة لتُمـارس هيمنتها الأحادية على النظام العالمي، وفي ظل الاحتكـار الـذي تمارسه الولايات المتحدة فيما يتعلق بتقنيات وسائل الاتصال والإعلام المختلفة، “يشهد التاريخ أنه كلما تمضي الولايات المتحدة إلـى الحـرب تكـون ترسانات الإعلام الرأسمالي في طليعة المجهود العسكري”.
وقد تحقق للولايات المتحدة في معركتها الإعلامية على الصعيد العالمي الجانب الأهم وهو الوضع الاحتكاري للمعلومات المتعلقة بالحرب، ومعالجتها، ومن ثم توزيعها، وكان الهدف من ذلك كله تحقيق السيطرة المطلقة علـى مضمون الخطاب الإعلامي المتعلق بالحرب على الأصعدة المحليـة (داخـل الولايـات المتحـدة)، والقارية (أوروبا خاصة) والساحة الدولية (آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط)، وقد أثارت هذه الحقيقـة ردود فعل مختلفة داخلية وخارجية من جانب مؤسسات إعلامية ومؤسسات تعليمية وبحثية.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر شهد الخطاب الإعلامي الأمريكي نقطة تحول ملحوظة، فمع أن المسؤولين الأمريكيين والإعلام الأمريكي قد حددوا منذ البداية من يقف خلف هذه الأحداث، إلا أن الفرصة التي سنحت للولايات المتحدة ومنظومتها الإعلامية للسيطرة على الرأي العام العالمي لم تكن لتضيع، وخصوصًا بعد أن بدأ العالم يتمرد على الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية الأمريكية.
جاءت هذه الأحداث لتُمثل فرصة تاريخية للإعلام السياسي الأمريكي الذي ارتكب خطأً جديدًا بعد أحداث سبتمبر استخدم فيه كل الوسائل الاتصالية المتاحة، بعد أن تكشفت ميادين جديدة للصراع مع أعداء كانوا محتملين، لذا فقد اتجهت مضامين صناعة التأثير الأمريكية لتعمل على:
– تفعيل إعلامي وسياسي للطروحات التي تُشكل تقاطعًا مع القيم الأمريكية، كحرية المرأة، تحديد النسل، حرية العلاقة بين الجنسين، الحريات الدينية، الإرهاب الديني، تفعيل قوانين الهجرة، البوليس الدولي… إلخ.
– الهيمنة الاتصالية التي يتربع عليها الإعلام الأمريكي، فهو البلد الذي يمتلك أعتى وأقوى المؤسسات الإعلامية ودور النشر، وصناعة السينما، وهو الذي يصدر إلى العالم ما يقرب الـ (73%) مما ينتج إعلاميًا وثقافيًا، ويملك نصف قوى الاتصال والإعلان ومعلومات البحوث والدراسات والتنمية في العالم، وبذلك يتربع على عرش صناعات الاتصال والإعلام والتصدير الثقافي والتعليمي، مما يجعله يصل لأية بقعة أو وجهة اجتماعية واثنية في العالم، ويحرك ما يريد من استشارات عاطفية ونفسية نحو القضايا التي تُصنع من قبل وكالات الأمن القومي والإدارة العليا للبيت الأبيض.
ومن خلال التحليل السابق يتضح خطورة الحرب الإعلامية التي تكمن فيما تحدثه من تضليل متعمد للمتلقي بغرض تحقيق أهداف معينة غير معلنة، ويتضح هنا كيف نجح الإعلام الأمريكي في الترويج للأفكار التي تخدم المصالح الأمريكية فقط، والآن بعد ما يزيد على العقدين على أحداث سبتمبر، وما ترتب عليها من انتهاء الحرب الأمريكية على العراق، والانسحاب من أفغانستان؛ نجد أن ما استخدمته الولايات المتحدة من مصطلحات مثل: نحن طيبون وهم أشرار، معنا أو ضدنا، تحرير العراق، أسلحة الدمار الشامل، خلق عدو تمثل في الإسلام، الإسلاموفوبيا، ثبت أنها دعاية كاذبة، كما كانت تصريحات القادة السياسيين الأمريكيين وادعاءاتهم أيضًا كاذبة، ومن ضمنها تأكيدهم على عدم المساس بالمدنيين العراقيين، ثم وقوع الآلاف منهم قتلى وجرحى، رغم التطمينات الأمريكية باســــتخدام قنابل ذكية، ثم ثبت أنها غير ذلك!، وغيرها من الأكاذيب الأخرى، وأهمها بناء الدولــة الديمقراطيـــة الحرة في العراق، والتي لا زال العراقيون ينتظرونها بين ركــام التدمير والقتل اليومي، والسيطرة الصفوية على المشهد العراقي.
قلت لصاحبي:
ستكتمل يومًا ما عملية تجميع قطع البازل، وتتضح الصورة، ويرويها الأجداد للأحفاد بألم، كيف خدرنا الإعلام الغربي ولم يدع لنا مجالًا في التفكير ولو للحظة أنها قد تكون خدعة!
من كتاب الاتصال السياسي في عالم يتغير للكاتب