تحتل المملكة العربية السعوديّة مكانة متميّزة إقليميًا ودوليًّا تقديرًا لتأثيرها العالمي ودورها الريادي في تنظيم العلاقات بين الدول على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والتعاون المشترك في مجابهة الأزمات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات والنزاعات والصراعات التي يشهدها العالم في الكثير من المناطق، فضلًا عن الدور الإنساني الكبير للمملكة في دفع وتعزيز الجهود الدوليّة لمواجهة التحديات العالميّة وتحقيق المصالح المشتركة في مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية. وأكدت المملكة دومًا هذا الدور المحوري في تعزيز مكانة العالمَيْن العربي والإسلامي، ومساندة القضايا العربية والإسلامية والعالمية بتقديم الدعم وإقامة المنتديات والقمم الوطنيّة والدوليّة والمشاركة الفاعلة والبارزة في المحافل، وإطلاق المبادرات المحليّة والدوليّة والبرامج والمشاريع الضخمة ذات المصلحة المشتركة.
وفي هذا الإطار تأتي مشاركة المملكة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في الدورة الثامنة عشرة لقمة مجموعة العشرين G20 المنعقدة بالعاصمة الهندية نيودلهي، على مدى يومين 9 – 10 سبتمبر 2023، تحت شعار “أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد”، لترسخ من جهة الدور القيادي للمملكة عالميًا كأهم دولة في المنطقة العربية والمنظومة الدولية، والتزامها الأخلاقي والإنساني، ولما تملكه من ثقل سياسي واقتصادي يُساهم في ضمان استقرار الأسواق المالية وتحقيق أهداف المجموعة، وتعكس مكانتها كشريك استراتيجي قوي وفاعل إقليمي يمتلك من الإمكانيات والقدرات ما يؤهّله للعب دور سياسي هام ومؤثِّر في الملفَّات الإقليمية والقضايا الدولية ومكافحة الإرهاب وإرساء أواصر التعاون والاستقرار والأمن على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وفي دعم المشروعات التنموية والإنسانية في الدول المجاورة والدول العربية والإسلامية في ظلّ الأوضاع المعقَّدة والبيئة الإقليمية المضطربة.
ومن جهة أخرى تؤكد هذه المشاركة المكانة الخاصة التي تحظى بها القيادة الحكيمة للمملكة على المستوى الدولي، ودورها الكبير والمؤثّر، محليًا وعالميًا؛ حيث أثبتت للعالم أنّها الأقوى والأنجح في قيادة الجهود الدولية على جميع الأصعدة لمواجهة التحديات ومواصلة مسيرة التنمية الشاملة، والاستفادة من الفرص المستقبلية الواعدة في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والتعامل مع الأزمات في أصعب الظروف، إذ تُعد المملكة قوة رائدة في مجال النفط وتشكل من خلال قدرتها التصديرية العادية والاحتياطية صمام أمان لمواجهة أي اضطراب في الأسواق العالمية.
هذا الدور السعودي الفاعل للمملكة ضمن مجموعة العشرين تأكّد منذ سنوات عندما استضافت المملكة، كأوّل دولة بمنطقة الشرق الأوسط، قمّة مجموعة العشرين في نوفمبر 2020 التي انعقدت في ظرف عالمي استثنائي في ظل جائحة كورونا، ورغم التحديّات العالميّة؛ فقد نجحنا وحققنا الكثير برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وقد مثّل نجاح هذه القمّة التاريخيّة حدثًا عالميًّا استثنائيًّا كان محلّ اعتراف وإشادة دوليّة ومبعث فخر واعتزاز لجميع أبناء الشعوب العربية والإسلامية، ورسالة سلام وأمان وطمأنينة لكافة الشعوب لما حملته القمة، في بيانها الختامي من تعهدات بمراعاة البُعد الإنساني في تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي العالمي. ولقد وقف العالم أجمع إكبارًا وتقديرًا لكلمات خادم الحرمين الشريفين الافتتاحية والتي شَخّصَت الأزمات التي يشهدها العالم، ومثّلت، في الوقت ذاته، حلولًا للعديد من العقبات والمُشكلات التي تعترض مستقبل الاقتصاد والشعوب حيث شملت توفير الحماية الاجتماعية، وضمان مستقبل آمن للشعوب، وتمكين الإنسان، وأهميّة تمكين المرأة والشباب لخدمة المجتمعات وسوق العمل، ودعم رواد الأعمال، والتركيز على التدريب والتعليم والتقنية، والحفاظ على التنوع الحيوي وكوكب الأرض والبيئة.
وقد تعزّز هذا النجاح وهذا الدور من خلال إعلان سمو ولي العهد أثناء هذه القمة عن مشروع تأسيس ممرات العبور الخضراء الدولية العابرة للقارات الذي سيجعل المملكة قلب المشروع الضخم في النقل، وستصبح منطقة الخليج العربي مركزًا لوجستيًا يسهم في تأمين سلاسل الإمداد من خلال هذا المشروع، حيث ستكون هناك بنية تحتية شاملة للممرات الخضراء وسكك حديدية، تربط دول آسيا من الهند والخليج والمملكة إلى قارة أوروبا، ومنها تيسير الكهرباء المتجددة، والهيدروجين عبر خطوط أنابيب وسكك حديدية إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية من قلب المملكة ومراكز بياناتها. ولهذا نجد اليوم الهند تستلهم النجاح السعودي وجاءت مخرجات قمة نيودلهي 2023 امتدادًا لمخرجات وإنجازات قمة السعودية 2020، حيث وفي إطار توحيد الجهود الدوليّة لمواجهة الأزمات صدّقت مجموعة العشرين رسميًا على عضوية الاتحاد الأفريقي في المجموعة والذي كان بدعم وتأييد من المملكة لإيصال صوت القارة الإفريقية والمساهمة في تعزيز العمل المشترك لمواجهة التحديات العالمية. كما أعلن قادة مجموعة العشرين أنهم سيدعمون الجهود المبذولة لزيادة القدرة العالمية للطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول العام 2030، متعهّدين بتسريع العمل لمكافحة تغير المناخ. وتبرز هذه المخرجات أنّ السعودية تمكّنت من وضع بصمتها المالية والاقتصادية والتنموية على خريطة العالم من خلال تبنيها لرؤية 2030 التي وضعتها كخارطة طريق لنفسها وترتبط ارتباطًا وثيقًا بجوهر أهداف مجموعة العشرين وتتسق فيما بينها في عدد من المستهدفات، خاصة ما يتعلق بتحقيق الاستقرار المالي والتنمية المستدامة من خلال تطوير الأسواق المالية والحد من المخاطر بما يتماشى مع الظروف والاحتياجات والأولويات الوطنية، إضافة إلى تطوير مجال التقنيات المالية من خلال تحديث الأطر التنظيمية وتحسين القواعد الحالية.
وختامًا يتضح من خلال ما سبق أن المملكة أثبتت منذ انضمامها إلى مجموعة العشرين دورها الريادي وإسهاماتها الفاعلة لتعزيز التعاون والعمل مع جميع الدول الأعضاء؛ لتحقيق الإصلاحات التي يحتاج إليها النظام المالي العالمي، ومكافحة الفساد، ودعم الاستثمار المستقبلي، واستقرار الاقتصاد العالمي ونموه. نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ قيادتنا ويديم علينا نعمه، وأن تتوالى مسيرة النجاح والتقدم دائمًا وأبدًا.
– أستاذ القانون الدولي والعقوبات الاقتصادية
رئيس قسم القانون العام، وكيل كلية القانون والدراسات القضائية للتطوير والتنمية المستدامة سابقًا.