سلسلة تاريخ العقار في المملكة العربية السعودية (٢)
يتبيَّن من خلال مطالعة بعض الوثائق التي تزامنت مع عهد الدولة السعودية الأولى مدى الإلمام بالفقه بالإسلامي من حيث التنصيص على أركان البيوع، والتي منها الإيجاب والقبول، وبقية الأركان.
وحينما بلغت الدولة السعودية أوج ازدهارها كانت الميزانية للدولة تصل إلى المليونين “ريال نمساوي”، وذلك في زمن الإمام سعود بن عبد العزيز، والذي سمّي سعود الكبير، وفي عصره امتدت الدولة السعودية الأولى إلى أكبر من حدودها اليوم، وكان لديه أكثر من ٧٠ فرقة خصصت لجمع الزكاة وما في حكمها، ولكل فرقة سبعة أفراد، وهو ما أشار إليه الباحث راشد العساكر، وقد انعكست الأوضاع الاقتصادية على ارتفاع سوق العقار في الدرعية آنذاك حيث كانت تصل أسعار بعض البيوت إلى ٦٠٠ ريال، وبلغت أسعار بعض القصور إلى مبلغ ٣٠٠٠ ريال -حسب الوثائق-، ووصل جذع النخلة إلى سعر ٦٠ ريالًا، وهذا ما ذكر في الدرر السنية -الكتاب الذي جمع المسائل الفقهية لعلماء الدولة السعودية الأولى ومن بعدهم-، أما بعد الهجوم على الدرعية فقد تأثرت الأسعار بعد ذلك لتنخفض إلى أقل من الريال “الجديدة” – عملة أقل من الريال والمحمدية-، فالسوق العقاري في تلك المرحلة كان يتأثر بمظاهر قوة الدولة وضعفها.
من الوثائق التي وجدتها في تلك المرحلة كانت وثيقة مؤرخة بعام ١١٩٩هـ، وهي لآل دغيثر من أهل الدرعية، وقد نصت على بيع عقار وشهد عليها الإمام عبد العزيز بن سعود -رحمه الله-، وهذا ما يعكس التقارب بين الأئمة ورعيتهم في ذلك الوقت، وكذلك شهد عليها آل محمد بن عبد الوهاب وهم أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكتب هذه الوثيقة ابنه عبدالله.
من الوثائق أيضًا ما كان في عام ١٢٠٢هـ، وهي لآل دغيثر أيضًا، وفيها بيع عقار “الخويطري” في غصيبه وهو من أحياء الدرعية، ونصّت الوثيقة على أن ذلك كان في ولاية عبد العزيز بن سعود -رحمه الله-، وكان ذلك بمبلغ ٨٠ “أحمر”، وشهد عليها الشيخان حسين وإبراهيم أبناء محمد بن عبدالوهاب.
هناك أيضًا وثيقة في عام ١٢٢٤هـ، ونص فيها على أن الثمن ٦٠ “ريال فرنسي”، وقد نصّ فيها على إيقاف المشتري للمبيع للفقراء والمساكين من أهله، فهي وثيقة وقفية، ومما يميز هذه الوثيقة أنه قد تم التهميش عليها من قبل قاضٍ آخر صادق عليها ووضع عليها ختمه في عام ١٣١٤هـ، حيث كان لكل قاضٍ ختم خاصٌ به يرفقه في نهاية الوثيقة.
يتبين من خلال استعراض هذه الوثائق أن القرى في شبه الجزيرة العربية كانت أملاكها موثقة، وذلك كان يتم عند الأئمة والقضاة وكتّابهم، ومن البيوع التي كانت موجودة أيضًا في زمن الدولة السعودية الأولى “المجاعلة” -هي بيع العقار مقابل منفعة يتفق عليها-، ومثالها: وثيقة مؤرخة في عام ١٢٨٩هـ، وهي اتفاقية على جعل بيت في ملك ابراهيم بن ثاقب بن عيفان مقابل الحج عن والد المالكة موضي بن عيفان، وقد زادها إبراهيم على تمليك الدار مقدار ٤ ريالات، لأن الدار تزيد عن قيمة الحجة بهذا المقدار.
كذلك توجد وثيقة حول “المناقلة” وهي أن يتناقل الطرفان بداريهما، وهي من العقود التي كانت معروفة في ذلك الزمان، وقد يزيد أحد الطرفين على الآخر بعد تثمين الدارين لكونها أكبر أو في موقع أفضل، وهذه الوثيقة كانت بتاريخ ١٢٨٩هـ.