ذهبت لتقديم واجب العزاء في أحد الأصدقاء -يرحمه الله- وأصر علينا أقاربه على تناول العشاء المُعد لهذه المناسبة من زوجته وأبنائه، اضطريت للبقاء فجلست بجانب أحد العقلاء الذي بادرني بهذا السؤال: كيف نأكل طعامًا قد طُبخ بالدموع؟!
عبارة عميقة سمعتها من شخص عاقل وحكيم عن طعام الجنائز؛ كأني أسمعها لأول مرة عن وليمة العزاء التي يُعاني منها مجتمعنا، وبدأت تأخذ أشكالًا من البذخ والتفاخر، والتنافس غير الشريف.
الأصل في العزاء هو أن تاتي تسلّم على أهل الميت وتواسيهم، وتدعو للميت بالرحمة والمغفرة، وتدعو لذويه بالأجر في مصيبتهم والصبر والسلوان، ولا يمنع ذلك من تقديم وجبة لطيفة خفيفة لأهل الميت اقتداءً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: (اصنعوا لآل جعفر الطعام فقد أتاهم ما يشغلهم).
انقلبت الموازين في وقتنا الحاضر حتى جعلنا آل جعفر أو من في حكمهم يصنعون الطعام لأهل القرية ولأهل الحي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!
العزاء يا سادتي الكرام هو مواساة لذوي المتوفي ودعاء له بالمغفرة، والرحمة والفردوس الأعلى من الجنة، وتقديم وجبة خفيفة لذويه دون رياء ولا سمعة.
هذا هو العزاء وليس أن تأتي؛ ليفرشوا لك السفر والموائد واللحوم، وأنت تتحدث مع هذا عن الأسهم ومع الآخر عن العقار دون وازع من ضمير فالناس قد نزلت على رؤوسهم مصيبة فلا تزيدهم مصيبة على مصيبتهم، وهم يفكرون في أمور تهمهم وتهم قريبهم المتوفي !!
وقد لاحظنا في بعض مناسبات العزاء أنه يكثر التنافس غير النظيف بين أقارب المتوفي من غير أسرته؛ حيث يتجادلون على من يتكلف بوليمة العزاء أولًا، وتحتدم الأمور بينهم ويتناسون أن المتوفي في حاجة إلى الدعاء والصدقة أكثر من حاجته إلى الاجتماع في هكذا اجتماعات لا طائل من ورائها.
وبعد عناء شديد يتم الاتفاق على جدولة ولائم العزاء ثم يشتد التنافس في إحضار ما لذ وطاب حتى لا تتفوق وليمة فلان عن علان، ولو هونوا على أنفسهم وتصدقوا عن ميتهم بما تجود به أنفسهم لكان خيرًا لهم وأبقى.
أخيرًا المتوفي في أشد الحاجة إلى دعائكم وترحمكم عليه وذويه في أشد الحاجة إلى مواساتكم وتخفيف مصابهم، نسأل الله أن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين، وأن يهدينا وإياكم لما فيه الخير والصلاح لنا ولهم ولكافة المسلمين.
– كاتب رأي ومستشار أمني