يزخر التراث العربي بقصص كثيرة عن ما يسمى بالإجابات الحاضرة أو الرد الذكي، والتي تُظهر مدى ذكاء وفطنة الشخص وقدرته على التخلُّص من المواقف الصعبة التي تُواجهه، كما أنها تعطي الشخص القدرة على إسكات المتكلم بالحجة والدليل.
ومن حكم العرب وأقوالهم في سرعة البديهة والذكاء الفطري ما يُعرف بالإيجاز والرد الذكي، وهي ردود أفعال لأشخاص استغلوا ذكاءهم في الهروب من الاتهامات والتوبيخات الموجهة لهم.
منها قصة الخليفة عبد الملك بن مروان عندما دخلت عليه بثينة، صاحبة الشاعر العاشق جميل، فقال لها: يا بثينة، ما أرى فيك شيئًا مما كان يقوله جميل فيك، فقالت له: يا أمير المؤمنين إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك.
وتحوي كُتب التاريخ الكثير من الموهوبين الذين كانوا يتميزون بالإجابة الحاضرة وهو الذي يُظهر قوة الشخصية، وأبرز ما يُميّزها من حيث الأسلوب أنها تتَّسِم بالإيجاز والوضوح ، وأصبحت هذه الردود الذكية لونًا أدبيًّا ذا طابع خاص، لا يختص بزمنٍ معين، بل نجدها الآن كما كانت قديمًا عند العرب وغيرهم. من أمثلة هذه الردود:
الأعرابي الأعمى: بشار بن برد حين قال له رجل ثقيل الدم: ما أعمى اللّه رجلًا إلا عوّضه، فبماذا عوّضك أنت؟ فرد بشار: عوضني الله أن لا أراك وأمثالك.
أو الرجل الذي أراد إحراج المتنبي، فقال لـه: رأيتك من بعيد فظننتك امـرأة!! فقال له المتنبي: وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجلًا.
ومنها السائل الذي دخل على جماعة من العلماء والفقهاء، وهم يتحلقون في جامع البصرة، فقال له أحدهم: يا هذا، لقد نزلت بوادٍ غير ذي زرع، فقال السائل: نعم، ولكن يجبى إليه من ثمرات كل شيء، فضحك القوم وأعطوه.
ومن مواقف الخوف والتخلص منها بأسلوب الرد الذكي، موقف أحد المطلوبين عندما سأله هارون الرشيد: ما تريد أن أصنع بك؟ فقال: ما تريد أن يصنع بك رب السماوات والأرض حين تقف بين يديه، فعفا عنه الرشيد.
ومن الردود الذكية، السيدة السمينة التي ركبت الحافلة، فصاح أحد الراكبين متهكمًا: – لم أعلم أن هذه السيارة مخصصة للفيلة…! فردت عليه السيدة بـهدوء: لا يا سيدي، هذه السيارة كسفينَة نوح، تركبها الفيلة و(القرود) أيضًا.
ومنها أيضًا حين ما قال كاتب مغمور لبرناردشو: أنا أفضل منك، فإنك تكتب بحثًا عن المال، وأنا أكتب بحثًا عن الشرف…! فقال له برنارد شو على الفور: صدقت، كل منَّا يبحث عمَّا ينقصه!!
ومنها قول وزير بريطانيا السمين تشرشل لبرنارد شو النحيف: من يراك يظن بأن بريطانيا في أزمة غذاء! فقال: ومن يراك يعرف سبب الأزمة!!!
وأخيرًا عندما كان رجل مسن منحني الظهر يمشي في الطريق فقال له شاب بسخرية: بكم القوس يا عم ؟ فقال له: إن أطال الله بعمرك سيأتيك بلا ثمن!
0