إن حب الوطن فطرة إنسانية، ولم تزل الشعوب بمختلف عقائدها وميولها وأجناسها وأعراقها وألوانها متفقة على هذه الفضيلة متجاوبة الأحاسيس والمشاعر مع هذه الفطرة التي فطر الله الشعوب عليها.
فقد ورد عن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: “عَمَّر اللهُ البلدانَ بحب الأوطان”، وقيل قديمًا: “من علامة الرشد أن تكون النفس لبلدها تواقة وإلى مسقط رأسها مشتاقة”.
إن علاقةُ الإنسانِ بوطنِهِ ليستْ علاقةَ حبٍّ وإجلالٍ فحسبُ، بل هي أيضًا علاقةُ التزامٍ وعملٍ، وفي مثل هذا يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرٍّ … يدٌ سلفَتْ وَدَيْنٌ مُسْتَحقُّ
نعم .. دَيْنٌ مستحَقٌّ لا بدَّ من الوفاء به.
إن ألم الفراق عن الأوطان من أصعب الآلام وأشدها. فمن ذا الذي لا يبكي لفراق وطنه؟ ومن هو الذي لا يشتاق لأرض وطنه؟ فلو لم يكن الوطن غاليًا لما سمى بـ(الوطن الأم). فالوطن تمامًا كالأم الحنون التي تحتضن أطفالها بحب وتمنحهم الشعور بالأمان والدفء والسكينة، لذلك فمهما تغرّب الإنسان وسافر ودار في مختلف البلدان، فلن يجد أحنّ من حضن وطنه الأم.
لقد أكرمنا اللهُ في وطنِنا بأنْ جمعَ لنا الدينَ والدُّنيا، فجعل بلادَنا مَحْضِنَ الحرمينِ الشريفينِ، ثم جعَلَها سُبحانَهُ مستودعَ الثرواتِ، وأرضَ الخيراتِ والبركاتِ، فأجرى عليها نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنةً.
إنّنا في مثلِ هذه الأيامِ الغرّاءِ نستذكرُ موحِّدَ هذه البلادِ المباركة، ونستذكرُ معه رجالاتِهِ الذينَ جادوا بأنفسهم في سبيلِ تأسيسِ كيانٍ إسلاميٍّ يقودُ دفَّة الحضارةِ ببوصلةِ الإسلام.
كما نستذكرُ تاريخًا مجيدًا حافلًا بالإنجازاتِ، تاريخًا يُجسد الواقع الذي تعيشه هذه البلاد المباركة، منذ وحدها الملك المؤسس -طيب الله ثراه- واستكمل من بعده أبناؤه في حمل الأمانة، وأتمَّ مسيرتَها المباركة ودفعَ بها إلى الأمام: خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما اللهُ-.
لقد انصهر شعب المملكة العربية السعودية -بفضل الله وإحسانه- كأمة في جسد واحد، واقعًا لا شعارًا، حتى باتت هذه الوحدة الفريدة مضربًا للمثل لدى كثير من الشعوب في عالم اليوم. وأصبحت بلادنا دولة محورية ذات تأثير في صنع القرار العالمي ليس لكونها أكبر الدول المصدرة للطاقة العالمية أو كقائد للعالم الإسلامي فحسب، بل للحنكة والحكمة التي أدارت وتدير بها قيادتنا مختلف القضايا، سواء الدولية منها أو الإقليمية، مما جعلها في هذه المكانة العالمية التي تستحقها.
إن لأهل هذه البلاد المباركة مزيةً وفضلًا تستوجبُ منا المزيدَ من الشكر والبذل. فقد جعل الله سبحانه وتعالى بلادنا وقيادتنا خدامًا لبيتِهِ الحرام، الذي جعله مثابة للناس وآمنًا.. ويا لها من فضيلةٍ!
0