عاشت الجزيرة العربية بكافة مناطقها حقبًا تاريخية صعبة ومريرة، مليئة بالفتن وعدم الاستقرار وتفشي الأوبئة والأمراض، فكانت حياة الناس مليئة بالخوف على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وكانت القبائل البدوية تقوم ثقافتها على الغزو فيما بينهم ليظفر القوي فيهم بالضعيف فيستحل دمه وماله وعرضه، والحياة في أغلب المناطق الحضرية والبدوية والقروية محكومة بقانون الغابة الذي يقضي بالبقاء للأقوى، وتحكمها أعراف مختلفة بعضها لا يمت للإسلام بصلة.
ولأن الظلام لا يحل بأرضٍ إلا ويولد بها النور، والله -عز وجل- رحمن رحيم لطيف بالبلاد والعباد؛ فبعد أن تفشى الظلم بين الناس وضاقت الوسيعة بهم اختار الله لهم ملكًا منهم مجددًا للتوحيد الذي كان عليه آباؤه وأجداده، فكانت بداية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود – يرحمه الله – بفتح مدينة الرياض ومن ثم أخذ على عاتقه إخضاع جل المناطق التي امتد إليها حكم آبائه وأجداده حتى أقام المملكة العربية السعودية بكامل حدودها المعروفة هذا اليوم، فحقق للناس الأمن على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وهو أغلى ما يتمنون، ثم سخر الله له ولأبنائه البررة من بعده ثروات الأرض وخيراتها؛ فأخرج لهم الذهب الأسود والمعادن بأنواعها، وأجرى الله على أيديهم من النعم ما لم تعهده الناس في أسلافها، واليوم في ظل حكم خادم الحرمين الشريفين سلمان الحزم والعزم تشهد المملكة العربية السعودية نشاطًا ونموًا غير مسبوق في كافة النواحي والأنشطة التي تعنى بالبلاد والعباد، فلا تنظر إلى مجال من مجالات التنمية إلا وتجد فيه نجاحًا ملموسًا أكثر مما كان عليه، فالنشاط الاقتصادي بأنواعه وكذا بقية الأنشطة التعليمية والصحية والثقافية والسياحية والرياضية وغيرها تشهد نشاطًا وتطورًا غير مسبوق في ظل عهد الملك العادل خادم الحرمين الشريفين وترجمان رؤية 20/30 سمو ولي العهد محمد بن سلمان – وفقهما الله – وهذا النجاح الباهر تثبته كافة التقارير المحلية والدولية الصادرة من جهات موثوقة، وقد أوضح معالي وزير الاستثمار في تصريح من تصريحاته أن وجود المملكة العربية السعودية منذ عام 2008م بصفتها أحد الأعضاء الرئيسيين في قمة مجموعة العشرين (G20) أقوى اقتصاديات العالم جاء نظير قوتها ونفوذها السياسي والاقتصادي، وقدرتها على التأثير في صنع السياسات الاقتصادية العالمية، ولما لها من مبادرات مميزة ومؤثرة في تحقيق أهداف المجموعة، فضلًا عن دورها المحوري في ضمان استقرار أسواق الطاقة في العالم.
وقد أثبتت المملكة -ولله الحمد- تقدمها عالميًا في مجال الحكومة الرقمية، حيث حققت أعلى نتيجة تاريخية لها في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية – الصادر عن الأمم المتحدة – وذلك بحصولها على المرتبة الـ(31) في عام 2022م متقدمة بذلك (12) مرتبة على مستوى دول العالم عن عام 2020م، كما حققت المملكة المرتبة الـ(27) من أصل (193) دولة في مؤشر البنية التحتية للاتصالات في عام 2022م؛ وذلك بفضل الجهود المبذولة لتصبح المملكة نموذجًا رائدًا في تقديم الخدمات الرقمية، كما تقدمت المملكة تقدمًا ملحوظًا في البيئة الاستثمارية في ظل إصلاحات رؤية السعودية 2030، حيث سجلت المرتبة الـ(6) في مؤشر تصنيف التنافسية العالمية للأداء الاقتصادي في عام 2023م، والمرتبة الـ(13) في مؤشر تصنيف التنافسية العالمية لكفاءة الأعمال الصادر عن المعهد الدولي لتطوير الإدارة، وأصبحت في قائمة الأفضل دوليًا في إستراتيجيات التنافسية العالمية، من خلال التحسينات والمبادرات الاستباقية وتوظيف التقنية والبيانات؛ لتعزيز تنافسية وجاذبية المملكة في كل المجالات.
كما أثبتت بيانات الهيئة العامة للإحصاء، ارتفاع الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بنسبة 3.8 %، في الربع الأول 2023، مقارنة بالربع المماثل من عام 2022.
وهذا النجاح الذي تشهده المملكة أتى في ظل ظروف قاسية يشهدها العالم بسبب جائحة كورونا، والصراعات السياسية القائمة ومنها الحرب الطاحنة بين روسيا وأوكرانيا، والمملكة بهذا النجاح الزاهي تسهم باقتدار في قيادة جهود التعافي العالمي من تداعيات تلك الأزمات، وتعزيز جهود الإنعاش الشامل، والمرونة الاجتماعية والاقتصادية والاستثمارية، وقضايا البيئة والمناخ والشراكات الاستثمارية لتسهم بفاعلية في استقرار الاقتصاد العالمي ونموه.
وما نشهده من نعم لا تعد ولا تحصى، وننتظره من مستقبل واعد نؤمن به ونعيش مراحل تحقيقه خطوة بخطوة، في ظل حكومة راشدة وشعب وفيٍ وواعٍ يشارك بسواعد أبنائه وبناته في كافة أبواب النجاح ونوافذ الإبداع بالتشييد والبناء والعلم والمعرفة، سنصل بهذا الوطن الغالي إلى ذرا المجد وعلياء الطموح.
0