قد يبدو ضربًا من العبث أن تسأل أحدهم عن معنى العيش.. لا سيما وأن مثل هذا السؤال محسوم لدى البعض من منطلقات وأيديولوجيات دينية أو عرقية أو مبادئ ومعتقدات سياسية واقتصادية وبيولوجية أو حتى بديهية.
معنى العيش لدى البعض هو الطعام والشراب والنوم والعمل ثم معاودة ذات السيناريو كل يوم؛ لتستمر تلك الروح المعلقة في جسده، وتتعاقب الأيام بذات القدر من الروتينية.
قليل جدًا من ينظر للعيش من منطلق الأثر الذي يقدمه للحياة بدلًا من الهبات التي تخلعها الحياة عليه كل يوم.. هؤلاء القلة هم الذين يعيدون قلب معادلة البقاء لتصبح على النحو التالي: نحن هنا لتستمر الحياة في البقاء ولسنا هنا لتُبقينا الحياة أحياء على ظهرها.
ولكن، ما معنى أن نعكس المألوف بحيث نصبح من يصنع للحياة معنىً أو معاني بدلًا من أن تصنعه هي لنا؟ هل نحن بهذا القدر والقدرة لنهب للحياة معاني مختلفة بدلًا من أن ننتظر منها تلك الهبات؟ هل تحتاج منا الحياة لمؤنة كالطعام والشراب واللعب والموسيقى والصلاة والمشاعر الحزينة والفرحة والغاضبة لكي تستمر تمامًا كما تفعل هي معنا؟ هل الحياة معتمدة علينا في سيرها وتطورها؟
ولكي لا تستمر هذه الأسئلة في زيادة إحساسنا بعبثية التفكير المنسلخ من المنطق.. دعونا نستدرج التاريخ كشاهد على حاجة الحياة لنا تمامًا كحاجتنا لها.. ففي العصور المتوالية ضرب الأرض كثيرًا من الكوارث الطبيعية كالبراكين والزلازل وزحف الرمال، وتغول الأوبئة وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والتي كانت جميعًا إيذانًا بانتهاء الحياة على هذا الكوكب الوديع.
حينها أصبحت حاجة الحياة للإنسان – بذكائه وعقله – في أشد حالاتها.. احتاجت الحياة حينها لأمصال تقاوم الفيروسات ومبانٍ تعارك الزلازل ومخابئ تحمي من قصف الأسلحة النووية وتجمعات مقاومة للحرارة؛ لتتمرد على الحرائق وحمم الأرض الثائرة.. هنا بات من المؤكد أن تبادل المنافع بين الحياة والإنسان جزءًا من نظام هذا الكون البديع.. هنا – بقصد أو بدونه – نشأت المقايضة المثيرة في أن تهبنا الحياة أجمل ما فيها مقابل أن تهبها عقولنا أنفع ما لديها بحيث تصبح فكرة الوجود بالكامل مبنية على أن الجميع رابح إلى أجل مسمى.
بات من العادل الآن أن تهبنا الحياة دومًا كل ما لديها لكي نعطيها من وقت إلى آخر أفضل ما تصيغه عقولنا.. أصبحت الصيغة التعاونية على النحو التالي: جمال الفكر والأبحاث والتقنية والعلوم والمعارف ليس في حفظ النوع البشري فحسب، بل يمتد ليشمل الإبقاء على كل مكونات الحياة من ماء وتراب وسماء وشجر وغير ذلك، وهو رهان مجزٍ جدًا نهب الحياة بموجبه أجمل ما وهبنا الله وهو الفكر لتطمئن هي بدورها وتعطينا مقابله سعادة البقاء.