رسب أحد الطلاب في مادة التعبير ومن المستغرب أن يرسب أي طالب في مادة سهلة كالتعبير مقارنةً بغيرها من المواد الصعبة، وعندما سُئل المعلم عن سبب رسوب الطالب في اختبار التعبير؛ أجاب بأن الطالب لا يستطيع التركيز وفي كل مرة أطلب منه الكتابة عن موضوع معين أجده يخرج تمامًا عن الفكرة الأساسية ويبحر في تفاصيل ليس لها علاقة بموضوع التعبير. فقال له المعلمون: أعطنا مثالًا من مواضيع التعبير التي كتبها الطالب؛ قال المعلم: على سبيل المثال طلبت من الطلاب كتابة موضوع عن فصل الربيع؛ فكتب الطالب: (فصل الربيع من أجمل فصول السنة تكثر فيه المراعي الخضراء مما يتيح للجمل أن يشبع من تلك المراعي، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أيامًا، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، ويربي البدو الجمل، فهو ينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة لأخرى، والجمل حيوان أليف يسمى سفينة الصحراء، ….. إلخ) ويستمر الطالب في التغزل في الجمل وينسى الموضوع الرئيس في التعبير. فقال المعلمون قد يكون قرب موضوع الربيع من الجمل وارتباطه بالرعي هو الذي جعل الطالب يخرج عن الموضوع. فقال المعلم: كلا، خذوا مثالًا آخر: ذات مرة طلبت من الطلاب أن يكتبوا عن الصناعات والتقنية في اليابان؛ فكتب الطالب (تشتهر اليابان بكثير من الصناعات ومنها السيارات، لكن البدو يعتمدون في تنقلاتهم على الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أيامًا، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، ويربي البدو الجمل، فهو ينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة لأخرى، والجمل حيوان أليف يسمى سفينة الصحراء، …. إلخ).
فقال المعلمون: وهل هناك موضوع آخر؟ قال المعلم: في كل مرة يبدأ فيه الكتابة بنصف سطر عن الموضوع الأساسي وينتهي بصفحات عن الجمل. هذا موضوع بعيد كل البعد عن الجمل؛ قلت له: اكتب موضوعًا عن الحاسب الآلي وفوائده. فكتب الطالب (الحاسب الآلي جهاز مفيد يكثر استخدامه في المدن ولا يوجد عند البدو، لأن البدو لديهم الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أيامًا، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، ويربي البدو الجمل، فهو ينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة لأخرى، والجمل حيوان أليف يسمى سفينة الصحراء، …… إلخ).
وبعد رسوب الطالب قام بتقديم شكوى للوزير، كتب فيها: معالي وزير التعليم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أقدم لمعاليكم تظلمي هذا وفيه أشتكي معلم مادة التعبير؛ لأنني صبرت عليه صبر الجمل والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أيامًا، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهوله ويسر، ويربي البدو الجمل، فهو ينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة لأخرى، والجمل حيوان أليف يسمى سفينة الصحراء،…. إلخ. ثم ختم شكواه بالقول: آمل من معاليكم النظر إلى مشكلتي هذه وظلم المعلم لي مثلما ظٌلم الجمل في عصرنا هذا بأكل كبدته في الفطور في جميع الوزارات والمؤسسات.
أعرف أن هذه القصة قديمة وأنا على يقين أنها مرت على الكثير منكم، لكن في الحقيقة أن الأمر الذي دعاني لكتابتها والتأمل فيها ليس لتكرار حدوث مثل هذه المشكلة داخل جدران الفصول المدرسية، وإنما بكل أسف أن قصة ذلك الطالب العجيب مع الجمل أصبحت رواية تتكرر مشاهدها بصورة مستمرة في كثير من المؤسسات، فلا يكاد يجلس مسؤول على طاولة الاجتماعات للحديث عن مشكلة كبيرة تواجه المؤسسة أو لتوضيح الغموض حول موضوع مهم يشغل بال كافة العاملين في تلك المؤسسة، إلا وكما يقال (صمت دهرًا ونطق كفرًا)؛ حيث يبدأ ذلك المسؤول حديثه بكلمتين عن الموضوع الأساسي ثم يتجه بعدها مباشرة إلى قصة الطالب والجمل، ويتحدث عن أمور لا تجيب على تساؤل ولا تكشف غموضًا ولا تعمل على إزالة قلق الحاضرين حول معاناتهم. وربما ينقل دفة الحديث إلى مسؤول آخر لتوضيح دوره فيما يخص موضوع الاجتماع، وعلى نفس النهج يبدأ ذلك المسؤول حديثه بكلمات معدودة لا تتضح من خلالها أية إجابة على استفسارات الحضور، بل ربما تزيدهم غموضًا وحيرة، ثم يتعمق ذلك المسؤول ويبحر في الحديث عن مهامه وخطط إدارته، طبعًا (الخطط الورقية فقط) دون الخوض فيما تحقق على أرض الواقع من تلك الخطط، ثم ينتقل الحديث إلى مسؤول ثالث ربما يكون حافظًا! له كم عبارة رنانة ولا أدري إذا ما كان ذلك المسؤول يوهم نفسه بأنه يتحدث أمام أناس لا يعرفون طبيعة عمل إدارته ومشاريعها وإنجازاتها، أم أنه يريد إيصال رسالة للجميع بأنه لا يقيم لأحد منهم أي اعتبار.
لدغات متفرقة:
• الاجتماعات وسيلة اتصال فاعلة وأحد أدوات التحفيز والتدريب على رأس العمل، حيث يكتسب من خلالها العاملون وبالذات الجدد منهم مزيدًا من الخبرات والمهارات كمهارة الحديث والإقناع وكذلك ارتفاع معدل الثقة بالنفس. ولا يخرج هدف أي اجتماع عن أحد ثلاثة أهداف (إخبار أو إنصات أو إقناع)؛ النوع الأول ربما في كثير من الأحوال لا يحتاج تجميع تلك الأعداد الكبيرة من العاملين لمجرد إخبارهم بموضوع يمكن إيصاله لهم عن طريق تعميم أو رسالة بريد إلكتروني، حرصًا على توفير الوقت والجهد والمال.
• بينما عدد من الجهات الحكومية قد أنهت عملية التحول إلى نظام التأمينات، وهناك جهات أخرى على مشارف تلك الخطوة؛ يروى عن أحد المسؤولين قوله بأنه لا يقبل في إدارته وجود موظف (بكرشه)، طيب وما ذنب الموظف إذا كانت البلدية نفسها تسمح بالارتداد مسافة (مترين)!! ثم إن هذا البروز (الكرشة) هي ماركة مسجلة لدينا كمجتمع مرتبط عاطفيًا بالكبسة. أم أن كون ذلك المسؤول نباتيًا؛ فهو يبحث عن بروز أماكن أخرى غير الكرشة؟ العضلات مثلًا!!
• كثير من الموظفين في القطاع الحكومي لديهم تخوف كبير حول مستقبلهم الوظيفي في ظل التحول إلى نظام التأمينات الاجتماعية والعقود السنوية، وهو تخوف منطقي في ظل غياب المعلومة والضبابية حول تلك المرحلة في عدد من الجهات ولكن نصيحتي لكل من تمر به هذه الحالة أن يثق في الله سبحانه وتعالى أولًا وقبل كل شيء، فالله جل شأنه هو الرزاق وما علينا سوى العمل بالأسباب، ثم بعد ذلك تأكد أنك في ظل رعاية القيادة الرشيدة التي تعمل وبكل تأكيد على إسعاد المواطن أينما كان، كما يجب ألا تنسَ أن هناك أجهزة رقابية تحظى بدعم ومتابعة مستمرة من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – حيث تعمل تلك الأجهزة على الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه إساءة استخدام السلطة والإضرار بمصالح الناس.
• عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة