في هذه الذكرى الوطنيّة الخالدة تعود بي الذاكرة إلى مسقط رأسي بقرية جنوبيّة تلتفّ بيوتها الحجرية حول حصن شامخ كما يلتف الأحفاد في حضن الجد الدافئ. أستعيد سمر أهل القرية وحكاياتهم التي لا يملون منها عن (عبد العزيز)، يتفننون في سردها؛ لأن متعة السرد تهبهم شيئاً من الشعور بالأمن والأمان، والتغني بالبطولة في أبهى صورها، بعد أن كان الخوف يحيط بالمكان والإنسان، والبطل المنقذ ضرباً من المستحيل.
لم تكن الحكاية تعني شئيا لطفلٍ في السابعة، لكنها بقيت عالقة في اللاوعي، لتعود للظهور مرة أخرى عند خبر وفاة الملك فيصل، حينما تحولت القرية إلى سرادق عزاء مفتوح، ودمع مسفوح، كنت آنذاك في الرابعة عشرة من عمري، طالباً بمعهد الباحة العلمي.
لم يكن الحزن يختلف كثيرا بين ما وجدته في قريتي الصغيرة شمال الباحة، وقرية الراعب القرية التي أسكن فيها جنوب. كان المصاب واحداً، والتعبير عن الإحساس به موحدا.
وأنا أستعيد الحكاية بجانبيها المبهج والمحزن كما شاهدتها في تعبيرات الناس وسلوكياتهم. أستعيد الفرق بين مرحلتين كنت شاهدا عليهما، فارق التوقيت بينهما خمسون عاما تقريبا، تحولت فيها المملكة تحولاً يثير الإعجاب في شتى المجالات.
حين أتحول اليوم إلى سارد للحكاية يقوم بدور السارد الذي كان يؤديه أبي في القرية لأبنائي وبناتي، يعتقدون أن الخيال فيما أقول أكبر من الحقيقة، لأن النهضة التي نشهدها في جميع مناحي الحياة تفوق الخيال.
هذه الحكاية تفتح لي مجالاً للتأمل والتحليل، فجوهر الحكاية علاقة فريدة بين الحاكم والمحكوم تتجاوز علاقة السلطة بالفرد. إنها علاقة فريدة يشعر فيها الإنسان بأن الولاء لهذه الأسرة الكريمة ركن ثالث من أركان الثوابت الثلاثة: (الدين، الوطن، آل سعود).
هذه العلاقة الفريدة هي التي ولّدت الاستقرار السياسي، والشعور بالأمن، والاغتباط به، الأمر الذي سمح بوجود حركة تنمية غير مسبوقة، في ظل قيادة حكيمة حققت أعظم وحدة عربية في العصر الحديث، وتحقق اليوم فتحا حضاريا لا مثيل له.
اليوم حين أستعيد هذه الذكرى العظيمة، أتذكر كيف كنا وكيف أصبحنا، وأحمد الله وأشكره على عظيم نعمه، وجزيل عطاياه. وأوصي طلابي وأبنائي بشكر هذه النعمة العظيمة، فبالشكر تدوم النعم.
زمنٌ سعودي جديد، تجمع فيه المملكة بين المكانة الدينية، والقوة الاقتصادية، والشهود الحضاري والسياسي الخلاق. تعيد فيه المملكة اكتشاف ذاتها، وإطلاقها قواها الكامنة، فكما كانت مهوى الأفئدة وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أصبحت مركز صناعة القرار العالمي الذي يخطب ودّه الجميع.
قائد ملهم، وشعب حيوي طموح، وقوة دينية واقتصادية وسياسية متجددة، محفزات ثلاثة ما اجتمعت لأمة إلا جعلت من المستحيل ممكنا.
مرحلة من تاريخنا لا تتكرر، جاد علينا فيها الله بهذا الشاب العبقري، الذي أصبح حديث العالم، بما حققه من إنجازات جعلت منه واحدا من أعظم القادة السياسيين المؤثرين في العالم، وجعلت من بلادنا حرسها الله رمزاً للإبداع الحضاري.
هكذا علمنا التاريخ أن النهوض الحضاري لا يصنعه المفكرون ولا التربويون، ولا المخترعون، ولا المبدعون، يصنعه قائد عظيم يؤمن بفكرة عظيمة، يتبناها، ويحفز الناس للإيمان بها، والعمل بها، وهو ما حدث ويحدث مع الأمير محمد بن سلمان، الذي أطلق رؤية المملكة 2030، ورسم إستراتيجية تنفيذها، وها نحن نشاهد آثارها العظيمة في السنوات التي مضت، وسنشهد إن شاء الله نتائجها العظيمة في السنوات القادمة.
دام الوطن عزيزا، ودامت قيادتنا الرشيدة رمزاً لصناعة المعجزات، ودام الشعب السعودي العظيم، الذي علمنا عبر تاريخه، أنه الرقم الصعب، في الزمن الصعب
0