تحتفل المملكة العربية السعودية بذكرى يومها الوطني في الثالث والعشرين من شهر أيلول سبتمبر من كلّ عام؛ حيث تمر أمام أعيننا صور كثيرة من أبرزها تلك الصورة التاريخية لميلاد وطن شامخ بعد ملحمة بطولية قادها مؤسس هذا الكيان العظيم جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه-، ليتوحد قلب الجزيرة العربية النابض تحت راية التوحيد، في صورة رسمت بمداد من ذهب ولا يمكن أن يزول بريقها من مخيلة كل مواطن سعودي؛ لأنها مصدر من مصادر العز والافتخار التي تناقلناها جيلًا بعد جيل، في مناسبة لا بد أن نقف أمامها طويلًا لنتدارس بُعدها التاريخي، فنحن أمام يوم وطني لا يشبهه أي يوم من الأيام، وفي وطن ليس له شبيه بين الأوطان.
وحين نستذكر في كل عام مسيرة التوحيد الخالدة التي تمكن فيها الملك عبد العزيز -رحمه الله – من جمع قلوب أبناء شعبه على راية واحدة، منهجها الإسلام، ونهجها تطبيق شرع الله، وهدفها إقامة العدل، ونشر العلم، وتنمية المكان والإنسان فكرًا وعمرانًا. فإنه يحق لنا أن نعانق نجوم السماء ونفتخر بأمجاد ومنجزات هذا الوطن المعطاء الذي يستحق أن نحتفل بذكرى توحيده كل عام، وأن نستميت في الدفاع عن كل ذرة من ترابه الذي يضم أطهر بقاع العالم قاطبة.
ومما يستحق الإشارة إليه أنه في الآونة الأخيرة تطورت مظاهر الاحتفاء بيومنا الوطني؛ حيث أصبح يطلق في كل عام شعارًا لهذه الاحتفائية فباتت هذه الشعارات أحد مظاهر الهوية الوطنية البارزة، وما الهوية الجديدة لليوم الوطني السعودي الثالث والتسعين إلا استلهام في المعنى لتلك الأحلام، التي أصبحت واقعية في كل مجالات حياة سكان المملكة، وانعكاس لتلك المشاريع الضخمة التي راهنت عليها المملكة العربية السعودية في رؤية 2030 لنجد أنفسنا اليوم أمام حقيقة كانت ذات يوم حلم تحقق في هذا العهد الزاهر، لترسم لنا هذه الشعارات مسارات التنمية والإصلاح، وتطرح رؤية واعية واضحة المعالم، وسائرة بخطى ثابتة نحو بناء القدرات والإمكانات اللازمة لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى.
وعطفًا على ما سبق فإنه ما أحوجنا إلى ترسيخ الوطنية الحقيقية عند أطفالنا وشبابنا كوعي سلوكي، وليس إنشائيًا، حتى تصبح الوطنية سلوكًا وممارسة وليس قولًا فقط لكي نُحقق احتفالًا مثاليًا باليوم الوطني يكون على مستوى الحدث والمسؤولية من خلال تنمية الوعي باحترام الخطط والتعليمات الأمنية، والابتعاد عن الازدواج في الشخصية فكيف يدعي الشباب حبهم للوطن ومع ذلك يبدون في مظهر غير حضاري وغير منضبطين في سلوكهم؟! مدركين أن السبب الرئيسي في حصول هذه التجاوزات من بعض الشباب الذين يفسدون الفرحة في هذا اليوم إنما هو ضعف ثقافة الاحتفاء والفرح لدى هؤلاء الشباب، متناسين أن حب الوطن ليس بالكلام فقط، بل بالأفعال، التي تدل وتبرهن على حبهم وتمسكهم به.
وفي الختام فإن أبهى صور الاحتفال بذكرى هذا اليوم الوطني الكبير في تاريخه وإنـجازه، هو تجديد وتأكيد الالتزام بنطاق المسؤولية، وتحمل الأمانة، والعمل الدؤوب والمشاركة في التنمية الشاملة العملاقة، وأن تكون مظاهر الاحتفاء بهذا اليوم تعبيرًا عما يتصف به أبناء المملكة من قيم وأخلاق فاضلة وعما وصلت إليه المملكة من تقدم في مختلف المجالات التنموية وما وصل إليه أبناؤها من مستوى حضاري وفكري بحيث يظهر المواطن فرحه بشكل يعكس مكانة المملكة وقيمها الدينية والأخلاقية.
وخزة قلم:
عند غياب الوعي وانعدام ثقافة الاحتفال تتحول الشوارع وبشكل متكرر في كل عام إلى مسرح للسلوكيات السلبية في يومنا الوطني.