يُعتبر مقهى (ديليس) الأشهر في مدينة الإسكندرية بمصر والوجهة الأولى لكل زوارها من المصريين والأجانب؛ لوجباته اليومية الطازجة التي يقدمها لرواده. المقهى لا يزال يحتفظ برونقه التاريخي القديم، لذلك يشعر الزائر له بعبق الماضي الجميل والمكان الذي دخلته شخصيات شهيرة في مجالات الفن والساسة والأدب والتاريخ والعلوم.
من أشهر رواده الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ، والذي كان يتردد عليه يوميًا كلما قام بزيارة مدينة الإسكندرية، كان يقصد المقهى في الصباح الباكر ليتناول قهوته “السادة”. شهد مقهى (ديليس) كتابة نجيب محفوظ للعديد من رواياته الشهيرة، وحسب المسؤول في المقهى -مصطفى تهامي- الذي قال: “أعطاني الأديب نجيب محفوظ مئة جنيه، عندما فاز بجائزة نوبل كما كان قد وعدني”.
وكلمة (ديليس) الفرنسية تعني الشيء اللذيذ، أسس المقهى الخواجة “كلوفلوكس موستاكاس” في عام 1922م. في البداية كان جميع العاملين فيه من اليونانيين والإيطاليين والأرمن الذين اشتهروا بالأمانة واللباقة والنظافة الشديدة في صنع الوجبات للروَّاد، لدرجة أنه كان في المقهى من يشغل وظيفة “الذواق” ومهمته فقط تذوق الوجبات قبل تقديمها للزبائن!
من أهم الزائرين لمقهى (ديليس)، الملك أحمد فؤاد وأخته الأميرة فوزية، إذ كانا يتناولان دائمًا، القهوة “الفرنساوي” مع الكرواسو، ويستمتعان بالهدوء في داخل المقهى على أنغام الموسيقى اليونانية.
ارتبط اسم حلوى مقهى (ديليس) بالكثير من المناسبات التاريخية المصرية، منها انفراده بصنع تورتة حفل زفاف الملك فاروق على الملكة فريدة وكذلك حفلة تتويجه ملكًا، إذ صنعت تورتة تتويجه ملكًا، مؤلفة من دور واحد ومزينة بتاج من الشوكولاتة، مقارنة بتورتة حفل زواجه، التي تكوَّنت من خمسة أدوار، ووضع فوقها أيضًا، تاج من الشكولاتة. وأخرجت التورتة في عربة كبيرة، متجهة إلى قصر المنتزه الذي بناه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892م بالإسكندرية، واكتسب صانعها الشيف اليوناني (أسبيرتو) ومقهى (ديليس) على إثرها شهرة عالمية واسعة.
كان المقهى على الدوام، محطة مهمة للزائرين، من الفنانين والشعراء والكتاب الأجانب والمصريين، من أشهرهم: الشاعر طاهر أبو فاشة، وبيرم التونسي، ونهيد أبو زهرة، والشاعر اليوناني الشهير (قسطنطين كفافيس) وهو من أعظم شعراء أثينا الذي تغنى بتاريخ مدينة الإسكندرية، ومن الرواد أيضًا، الفنان المصري أحمد مظهر وحمدي غيث، وعمر الشريف، ومحرم فؤاد، والفنانة شادية ونادية الجندي، وكذلك الروائي توفيق الحكيم، وفاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، فضلًا عن العديد من الزعماء السياسيين، مثل: سعد زغلول وفؤاد سراج الدين وغيرهم.
الزائر لهذا المقهى التاريخي يجد صورًا تزيّن جدرانه الخشبية بنقوش عربية ويونانية، وكذلك صورًا معلقة تُمثل طقمًا من “الشيفات” اليوناني تعود لعام 1922م وهو العام الذي تم فيه افتتاح المقهى. كما يحتفظ المقهى بأول آلة “كاشير” دخلت إليه منذ أكثر من مئة عام.
0