النص التاريخي والخبر والمقال الصحفي لا يقول الحقيقة بل يخلق حقيقته فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقوله وتنص عليه أو بما تعلنه وتصرح به، بل بما تسكت عنه ولا تقول له بما تخفيه وتستبعده، ينبغي أن لا نهتم فقط بما يصرح به مدون النص، بل أن نلتفت إلى ما لا يقوله النص بمساءلته واستنطاقه أو تحليله وتفكيك بنيته.
فليس النص بأحداثه ومعارفه، بل بما يتأسس عليه ولا يقوله، بما يضمره ويسكت عنه، والنص التاريخي والصحفي يسكت ليس لأن مدونه ضنين بالحقيقة ولا بسبب تقيته من سلطة يخشاها، ولا لغرض نفسي يرمي إليه، ولكن لكل نص صمته وفراغاته وله زلاته وأعراضه وله ظلاله وأصداؤه، ومن هنا يتصف بعض النصوص التاريخية والصحفية بالتزييف والخداع والمخاتلة، ويمارس آلياته في الحجب أو الاستبعاد.
إن قراءة النص المفعم بالأحداث تختلف باختلاف العصور والعوالم التاريخية، بل تتعارض بتعارض الأيديولوجيات والاستراتيجيات إذن ليس النص هو الذي يقول الحقيقة، وإنما هو خطاب يثبت جدارته ويخلق حقيقته، من هنا فالنقد التاريخي والصحفي هو انتقال من نص الحقيقة إلى حقيقة النص.
فعلينا أن نتعامل مع النص بحذر، وأن نحاول استكشاف أبعاده…
0