حين شعرتْ أمريكا بالخطر في عام 1981م بسبب هزيمة طلابها في المسابقات الدولية في العلوم أمام اليابانيين والكوريين شكلتْ لجانًا عُليا لدراسة واقع التعليم في أمريكا؛ وذلك بتوجيه من الرئيس الأمريكي (رونالد ريغان)، للقيام بعمليات تقييم ودراسة للمناهج الأمريكية، ومستويات الطلاب، وكفاءة المعلمين، ومقارنة حال المدارس الأمريكية بنظيراتها في الدول المتقدمة.
تبع ذلك إصدار تقرير عام 1983م بعنوان “أمة في خطر”، في محاولة لبلورة أوجه الخطر الذي تواجهه أمريكا؛ شخَّص هذا التقرير واقع التعليم الأمريكي بشفافية، ومن بين عبارات التقرير المهمة، أقتبس الآتي: «لا ينجذب نحو مهنة التدريس العدد الكافي من الطلاب القادرين أكاديميًا، وأن عددًا كبيرًا ممن اجتذبتهم مهنة التدريس هم من الربع الأدنى أكاديميًا من خريجي المدارس الثانوية والجامعات»، انتهى الاقتباس.
وبناءً على ذلك ارتفعتْ معايير القبول في الكليات التربوية التي تخرِّجُ المعلمين، بحيث أصبح القبول في هذه الكليات عسرًا، ولا يقدر عليه إلا ذوو العقول والمواهب، واستطاع ذلك أن يرجع للتعليم الأمريكي بعضًا من وهجه.
في أوروبا يصنف نظام التعليم الفنلندي بأنه الأفضل عالميًا؛ فنتائج الامتحانات الدولية تضع فنلندا في طليعة الدول في التحصيل وفي ضآلة الفروق بين المدارس والطلاب. ويعزو الكثير من الخبراء القفزة النوعية التي حققها نظام التعليم الفنلندي إلى كفاءة المعلمين؛ حيث يجب على كل المعلمين أن يكملوا برنامج ماجستير عالي التنافسية ويكون مدعومًا بالكامل من الدولة، ويخضعوا كذلك لتأهيل علمي وتدريب شاق قبل تمكينهم من التدريس، في حين يرى البعض الآخر أن الفضل يعود إلى فلسفة التعليم نفسها التي تعتمد على رؤيا فلسفية وتربوية أصيلة منبثقة من ظروف الحياة والواقع المعيشي في فنلندا، حيث يفرض القانون الفنلندي تعليمًا إلزاميًا على جميع المواطنين بما في ذلك المرحلة الجامعية، مع التزام الدولة بتوفير الكتب الدراسية، والوجبات اليومية، ووسائل النقل للطلاب المقيمين بعيدًا عن المدرسة بأكثر من 3 كيلو مترات.
في الضفة الأخرى من العالم. تأتي دولةٌ أخرى استطاعت خلال سنواتٍ قليلة أن تلحق بالعالم الأول، إنها (سنغافورة)، وقد صرح باني نهضتها: (لي كوان) بأنَّ تعزيز النظام التعليمي كان هو البوابة الكبرى لهذه النهضة السنغافورية المذهلة.
من أبرز سماتِ التعليم السنغافوري هو الشروط القاسية للالتحاق بكليات التربية وإعداد المعلمين، والشروط الأقسى لإكمال الدراسات العُليا التربوية؛ حيث يلزمك لذلك أن تمتلك عشرين سنةً من الخبرة، وأن تقدِّم نماذج مشرِّفة من طلابك، وأن تحصل على توصياتٍ علمية معتبرة، وأن تكون صاحب سيرة ذاتية مميزة.
فهل نجد في واقعنا التعليمي شيئًا من هذا؟
0