المقالات

الديموقراطية بين النظرية والتطبيق

يكثر الحديث عن الديموقراطية وكيف أنها أفضل نظام حكم تمكّن البشر من الوصول له كما يقول الغرب، وكيف أن في تطبيقها تحقيقًا لتطلعات الشعب من خلال منحه الحق في التصويت والانتخاب، ومحاسبة المقصرين في حكوماته، ومنحه الحق أيضًا في التظاهر للتعبير عن مطالبه وحقوقه دون أن يعترض عليه أحد أو يمنعه من ذلك.

وهذا الأمر في حد ذاته أمر جيد طالما ظل شأنًا داخليًا، ولكن الثابت من خلال ما نشاهده ونتابعه أن الغرب يستخدمه كذريعة للتدخل في شؤون دول بعينها بحجّة أن هذه الدول لا تُطبّق الديموقراطية كما يُعرّفها هو وأنها دول استبدادية وشمولية متخلفة، ولن ينقذها ويجعلها تتقدم وتتطور كما يزعم سوى تطبيقها للديموقراطية إلا أن هذه الذريعة تُكذّب مصداقيتها السياسات العدوانية التي تُمارسها الدول الغربية تجاه هذه الدول التي اقتنعت؛ نتيجة لوجود هذه السياسات بأن الهدف الغربي الحقيقي من التدخل هو فقط رغبته في الاستفادة من مواردها وثرواتها، ولا يحمل أي رغبة حقيقية تتعلق بنشر الديموقراطية أو حتى الترغيب فيها.

ودعونا بدايةً نقدم تعريفًا للديموقراطية كما تم التعارف عليه والتعريف يقول إنها “شكل من أشكال الحكم يُشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين في اقتراح وتطوير واستحداث القوانين”، وهذا التعريف نظريًا جميل وجذّاب ويدغدغ مشاعر الشعوب، ولكن هل أثبتت الديموقراطية أنها بالفعل أفضل نظام حكم؟ وفي حال صح ذلك هل بإمكان هذا النظام في دولة ما أن ينجح بالضرورة في دولة أخرى تختلف عنها في الثقافة والأيديولوجية وفي النظرة للحياة وكيف يجب أن تُعاش؟ وأخيرًا هل نجحت دول الشرق الأوسط التي تعلن تبنيها للديموقراطية في تطبيقها كما ينص تعريفها؟

إن القول بأن الديموقراطية أفضل نظام حكم للجميع هو في حقيقته مجرد فرضية لا يؤكدها واقع دول كثيرة حول العالم، وما يعزز القول بأن الديموقراطية نظام لا يمكن تعميم أفضليته هو ما نُشاهده في واقع الدول الغربية التي تتبناه، وكيف تسير حياة شعوبها اليومية، والتي يعترف الكثير منهم بأنها لا توفر لهم الكثير من حاجيّاتهم التي يتزعمها شعورهم بالأمن والطمأنينة، وحتى لو نجح تطبيق الديموقراطية في الغرب فهو نجح في بيئات غربية تتميز بثقافات معينة وأسلوب ونظرة للحياة ذات طابع يخصّها وحدها في حين أن غيرها من البيئات التي تتبنى ثقافات مغايرة ونمط فكري لا ينسجم مع ما هو موجود في الدول الغربية، جعل العديد منها لا ترحب كثيرًا بتطبيق مثل هذا النوع من الحكم.

وهذا الحال المتباين يجعل اعتماد الديموقراطية كنظام حكم صالح للجميع أمرًا ثبت فشله خاصة بعد تجربته في العديد من الدول؛ وتحديدًا بعض دول الشرق الأوسط التي تبنته بطريقة “النسخ واللصق” دون أن تراعي الاختلافات الجوهرية التي تتبناها شعوبها وتحدد مسارها، والتي هي اختلافات كان من الواجب على هذه الدول أخذها بعين الاعتبار قبل البدء في ممارسة الديموقراطية؛ ونتيجة لعدم قيامها بذلك فشلت ممارستها لها وهو ما أدى إلى تراجع هذه الدول سياسيًا واقتصاديًا بل وحتى تنمويًا.

في حين نجد الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط على سبيل المثال ناجحة بامتياز على مختلف الصُعد، ومن بين هذه الممالك المملكة العربية السعودية التي تُتهم بالاستبدادية والشمولية رغم أن العالم يشهد بدورها المحوري في الكثير من مناطقه ومكانتها التي فرضت على الجميع أن يشيروا لها بالبنان بعدما تبين لهم أن قيادتها تتمتع بإدارة وإرادة حكيمة مكّنتها من توفير الكثير ممّا تفتقده دول أخرى عديدة سواءً من حيث نمط المعيشة أو من حيث الازدهار الحضاري والتنموي الذي ترفل به ناهيك عن حُسن استغلالها لمواردها الاقتصادية بمنهج أكسبها الكثير من المنافع الداخلية والخارجية.

خلاصة القول.. إن الجزم بأفضلية الديموقراطية على غيرها من أشكال الحكم قولٌ من الصعب إثباته، ويكفيك أن تعلم ذلك من خلال متابعة المشهد الرسمي والشعبي وطبيعة تفاعلاته داخل الدول المطبقة للديموقراطية وخارجها بينما نجد أنظمة حكم أخرى كالملكية التي أثبتت أن حكمها الذي يصفه الغرب بالشمولي وغير الديموقراطي يتمتع بالعديد من المزايا أهمها توفير الاستقرار والعيش بأمن وكرامة لشعبها، وكذلك توفير الكثير من الخدمات اللوجستية له ما جعل قادتهم يحظون بتأييد كبير لديهم وبثقة كاملة وولاء تام لهم؛ بالإضافة إلى الإيمان بأن الملكية تُمثل لهم أفضل نظام حكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى