قبل خمسةِ عقودٍ أو تزيد، أنشَدَ الشاعرُ المدنيُّ الكبيرُ شيخ الصحفيين في وقـتِهِ الأستاذ/ علي بن عبد القادر حافظ -رحمَهُ الله- مؤسِّسُ جريدةِ (المدينةِ) قصيدتَهُ التي يقولُ فيها:
فيا طِيبَ المدينةِ كلُّ شِبرٍ … يُضيءُ بها ويَرْفُلُ في سناها
ويا طِيبَ المدينةِ كلُّ قلبٍ … يطيرُ لها ويخفق في لِقاها
ويا طِيبَ المدينةِ كلُّ شخصٍ … يحنُّ لها ويحرصُ أَنْ يَراها
إن هذا الحنينَ إلى المدينةِ؛ ليَغْمُرُ قلبَ كلِّ مسلمٍ.
منذُ تداعى الأوسُ والخزرجُ لنصرةِ المصطفى -صلي الله عليه وسلم-، ومنذُ وفدَ المهاجرونَ واحتفى بهم الأنصارُ، منذ ذلك الحين والمدينةُ مهوى أفئدةِ المسلمينَ.
فما من مسلمٍ على هذه الأرضِ إلا وهو يوَدُّ لو كُتِبَ له شرفُ الصلاةِ في مسجدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، والسجودِ في روضةٍ مباركةٍ من رياض الجنةِ، ويتمنى لو وقفَ في المواجهةِ الشريفةِ يُسلِّمُ على نبيِّ المرحمةِ -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيهِ، ويطاُ بقدميهِ مواطئَ أقدامِ أطهرِ جيلٍ على وجهِ الأرضِ.
تلك أمنيةٌ غاليةٌ على قلبِ كلِّ مسلمٍ.
أمنيَّةٌ جعلتِ الملايين على مرِّ العصورِ يتدفَّقونَ على هذه المدينةِ المباركةِ، زائرينَ، ومصلينَ، ومقيمينَ، ومجاورين.
لقد بذلَ خُلفاءُ المسلمينَ منذُ أبي بكرٍ -رضى الله عنه- ما وسعهم لتهيئةِ المسجد النبويِّ لصلاةِ المصلينَ ، وزيارة الزائرين، فغيَّر أبو بكرٍ الصديق سواريَهُ بعد أن نَخِرَتْ، وبنى عمرُ بن الخطاب -رضى الله عنه- أسَاسهُ بالحجارةِ وزادَ فيه من جهةِ الجنوبِ والشمالِ والغربِ، ووسَّعهُ عثمانُ بن عفان -رضى الله عنه- أيضًا من هذه الجهاتِ، وغطَّى سقْفَهُ بخشبِ الساجِ، وكانَ يُشرفُ على البناءِ نفسِهِ.
وتتابَع الخلفاءُ والملوكُ والأمراءُ بعدَ ذلكَ في التوسعةِ وتجويدِ البناءِ وتمتينِ الأساسِ، حتى جاءتِ الدولةُ السعوديةُ المباركة فقدَّمَت للمسجدِ النبويِّ ما لم يقدِّمْهُ أحدٌ من قبلُ، فتضاعفَتْ مساحةُ المسجدِ عما كانتْ عليه فأصبحتْ ثمانيةً وتسعين ألف مترٍ مربعٍ، بعدَ أنْ كانتْ أربعةِ آلافِ مترٍ مربع، وزيدَ عليها سطحُ المسجدِ وساحاتُهُ! إنّها أضخمُ وأفخمُ وأجلُّ توسعةٍ عَرَفَها التاريخُ لمسجدِ المصطفى -صلي الله عليه وسلم-.
ولأنَّ حكومَتَنا الرشيدةَ تُولي الحرمينِ الشريفين غاية اهتمامها لم تقـتصر على مجرد البناءِ، بل عزَّزَتْ ذلك بخدماتِ البنية التحتيةِ المتمثلةِ في التكييفِ والمواقفِ والمظلاتِ والقباب المتحركةِ.
ولم يكن ذلك كلَّ شيءٍ، بل كانَ للتنظيمِ والتوجيهِ والإرشادِ نصيبٌ كبيرٌ، إضافة إلى الخدمةِ البحثيةِ العلميةِ، التي تُخضعُ احتياجاتهِ ومشكلاتهِ للبحثِ العلميِّ الميدانيِّ المحرَّرِ بُغيةَ الوصولِ لأفضلِ الحلولِ وأسْلَمِها، والتي تمثِّلُ نوعًا آخرَ مما تقدمهُ الدولة السعودية -حرسها الله- خدمةً للمسجد النبويِّ الشريف وزواره.