قالوا قديمًا: كلام الليل يمحوه النهار. كناية عن عدم الالتزام بالعهود، وعدم الوفاء بالوعود. وحقًّا.. ربَّما كان هذا صحيحًا لدى معظم قادة العالم، لاسيَّما في دول القومجية الذين أدمنوا الكذب على شعوبهم، مع علم شعوبهم تلك يقينًا أن قادتهم يكذبون عليهم ويضحكون لتخديرهم؛ غير أنهم مع ذلك، يحظون بهتاف وحماس وتصفيق مدويٍّ، خاصة إذا تعلق الأمر بتهديد أعداء محتملين ووعيدهم.
وعندما أطلق ولي عهدنا القوي بالله الأمين، أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، رؤيتنا الطموحة الذكية (2030) في الثاني من رمضان عام 1437، الموافق للسابع من يونيو 2016، انطلقت تلك الأبواق المأجورة نفسها في دول القومجية التي كانت تُعيرنا بالبعير والشاة والخيمة والصحراء، تنعق في محاولة مستميتة لإظهار تلك الأهداف الطموحة العظيمة التي اشتملت عليها الرؤية، وكأنها حديث خُرَافة.
وقبل أن أذهب بعيدًا، أُحيل أولئك المغرضين إلى حديث ولي عهدنا القوي بالله الأمين إلى قناة ( (FOX NEWSالأمريكية في الحادي والعشرين من سبتمبر من عامنا هذا، الذي أكّد فيه للعالم أجمع أن السعودية لم تَعُد كما وصفوها، وأرادوا لها أن تبقى مُتفرجة في المقاعد الخلفية، إذ تحولت اليوم إلى دولة صاعدة مؤثرة في قرارات العالم السياسية والاقتصادية، ضامنة لأمنه واستقراره وسلامه ورخائه؛ بها أفضل شعاب مرجانية في العالم، لديها غابات وواحات وجزر استوائية، وجزر جبلية وجزر رملية، وجبال ثلجية ووديان؛ مؤكدًا أن دولة الرسالة لم تَعُد مجرد صحراء وبعير وخيمة وشاة؛ بل أصبحت اليوم الدولة الأسرع نموًا في العالم، وأعظم قصة نجاح في القرن الحادي والعشرين، رغم أنف الكائدين المغرضين المأجورين. وكأني بسموه الكريم يستخدم دهاءه المعهود وبديهته الحاضرة دومًا وذكاءه الذي لم يخذله لحظة، ليقول لأولئك المغرضين: نحن بلغنا اليوم القمة، ومع ذلك، ما زلنا نصعد سلم النجاح يومًا بعد يوم، فيما أنتم تتقاتلون وتتناحرون وتدفعون بلدانكم نحو هاوية سحيقة.
ويقودني هذا للإشارة لأشياء مهمة في حديث أخي ولي العهد مؤخرًا لتلك القناة، أوجزها في الآتي:
1. اختار سموه الكريم أن يكون حديثه كله باللغة الإنجليزية، لإدراكه أن العالم كله سيُتابع حديثه متسمرًا أمام الفضائيات، ومن ثم ليوجه رسائل خاصة مهمة للغرب، ظهرت جليًا من خلال تلك الدبلوماسية الرفيعة في الرد على “بريت باير”، الذي طالما حاول جاهدًا أن يسجل نصرًا عليه، أو سبقًا صحفيًا بتوريط سموه الكريم هنا أو هناك، حسب ظنِّه، خلال مطبات كثيرة طرحها أثناء حواره، من التطبيع مع إسرائيل، إلى العلاقات السعودية – الأمريكية، ثم العلاقات السعودية – الصينية، فالاختراق الذي فاجأ به ولي العهد العالم غربه وشرقه، في علاقات بلاده مع إيران، ثم موقف السعودية من الحرب الروسية – الأوكرانية؛ بعد أن اجتهد محاوره كثيرًا في تصوير الأمر وكأن السعودية تلعب على الحبلين، إلى الحديث عن أسعار النفط والبريكس وسباق التسلح النووي في المنطقة، ثم الحديث عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إلى مقـتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ثم مقتل ناشط سعودي، فحاجة الأنظمة السعودية إلى تعديل، ثم استغلال الرياضة لتحسين صورته وصورة بلاده… إلخ.
2. الثقة الأكيدة في حديثه التي أكدت ذلك الإيمان العميق، والالتزام الراسخ بالعمل لمصلحة بلاده وشعبه وخير العالم كله. واعتزازه بالأنظمة السعودية، مع اعترافه بحاجة بعضها لإصلاح، ثم تأكيده على طرق كل باب يحقق الخير لبلاده ولشعبه، بصرف النظر عن رأي الآخرين فيه.
3. الدبلوماسية الرفيعة التي ظهرت من خلال تلك البديهة الحاضرة، لا سيَّما عندما حاول محاوره توريط سموه الكريم بأسئلة ملغمة، كسؤاله عن رأيه في بعض زعماء العالم، ثم سؤاله صراحة إن كان هذا أو ذاك شخصًا يمكن التعامل معه.
والحقيقة أدهشتني بديهة سموه الحاضرة عند توجيه تلك الوخزة القوية المؤثرة لأمريكا، عندما أشار لإمكانية التحول عنها، مع قناعته التامة بأن الشراكة بين البلدين مصيرية، وضرورية لكل واحد من الشريكين بالقدر نفسه؛ لكن هذا لا يعني بالضرورة التسليم الأعمى، بل ضرورة احترام النِّدية في التعامل بين البلدين؛ فلا أحد يستطيع أن يكره الآخرين في عالم اليوم على قبول أي شيء ترفضه أنفسهم، مؤكدًا أن الشيء الوحيد الثابت في السياسة: أنها دائمة التغير.
وبالجملة: أكاد أجزم أن الدبلوماسية الرفيعة كانت حاضرة في كل كلمة في حديث سموه الكريم، من تأكيده على سياسة بلاده التي لا تتدخل في شؤون الغير، وبالمقابل لا تسمح لأولئك الغير بالتدخل في شؤونها، إلى استقلال القضاء، ثم حرصه على عدم رؤية العالم لهيروشيما أخرى، أو قاعدة ثانية، أو قراصنة جُدد.
4. اختيار سموه الكريم لجزيرة سندالة في نيوم مقرًا لتبث منه (FOXNEWS) لقاءها معه إلى العالم أجمع، لأنها تمثل أحد الشواهد المهمة على نجاح مشروعات رؤيتنا الطموحة الذكية (2030) التي هندسها سموه الكريم. ولنقل أيضًا: كان في هذا الاختيار الذكي دعاية مهمة وترويج للسياحة في بلادنا.
5. اختيار سموه الكريم لليوم الوطني الثالث والتسعين لبلادنا الطيبة المباركة موعدًا لبث اللقاء، للتأكيد على أن يومنا الوطني المجيد ليس مجرد أهازيج واحتفاء بالفرح، بل أيضًا: احتفاء بإنجازات عظيمة، وإبداع لا مثيل له، يتحقق للوطن يومًا بعد آخر، بهدف توفير حياة الرفاه والعيش الكريم للمواطن.
6. وقطعًا، من نافلة القول، ذلك التواضع الجم الذي اتسم به سموه الكريم منذ عهدناه، مؤكدًا أن كل هذا الخير الذي تحقق للبلاد وللشعب، هو بجهد السعوديين كلهم، بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، وما سموه الكريم إلا واحد منهم يدلي بدلوه في خدمة بلاده وشعبه، رافضًا بشدة أن ينسب الناس النجاح لشخصه الكريم وحده؛ بل حتى ما تحقق للحرمين الشريفين وللأماكن المقدسة، ويتحقق لها مع بزوغ كل فجر جديد -إن شاء الله-، هو عمل جماعي يخططه عقل السعوديين وينفذه، بل يبدع فيه.
7. أما لغة الأرقام التي يعتمدها سموه الكريم، وكأنه يقرأ في كتاب، ما شاء الله عليه، فهي واحدة من مهاراته الاستثنائية التي قلَّما عهدناها في زعماء العالم، غربه قبل شرقه.
والحقيقة.. كان اللقاء شائقًا ممتعًا، اشتمل على محاور عديدة، أكد فيها حضور شخصية ولي عهدنا القوي بالله الأمين، حق السعوديين في الرهان على ولي عهدهم، الذي ينشد الخير والأمن والأمان والسلام والاستقرار للعالم أجمع، مثلما يعمل ليل نهار من أجل مصلحة بلاده وحماية استقلالها، ورفاهية شعبه وكرامتهم وعزتهم.
فلله درّك أبا سلمان، أيها الفخر الأتم، الجبل الأشم. وكونوا على الموعد مع رؤية (2040) بإذن الله الواحد الأحد الفرد الصمد. ولتموتوا بغيظكم أيها القومجية الحاقدون المغرضون المأجورون.
0