الحرب من حيث المفهوم الاستراتيجي تنقسم إلى عدة أنواع منها على سبيل المثال لا الحصر: الحرب الاقتصادية، حرب الاستنزاف، … إلخ، ومن ضمن التصنيفات أيضًا ما يُسمى بالحرب النفسية، والتي تعتمد في نجاحها على وجود الجواسيس باختلاف أنواعهم.
مع التطورات التقنية المتلاحقة، وانتشار أجهزة الجوال وما تحتويه من تطبيقات، تغيرت قواعد الجاسوسية وأساليبها وأدواتها ومكافحتها، صارت عملية كشف شبكة (المتورطون داخل الوطن) أمرًا أكثر تعقيدًا، تتطلب جهدًا بشريًا وتقنيًا وماليًا كبيرًا لا تتقاعس الحكومات عنه لأهميته في حماية الأوطان، فقد يمنع اعتداءً حربيًا أو عملًا إرهابيًا، وقد يحفظ أرواحًا ويوفر أموالًا وعتادًا وجهدًا عسكريًا. أصبح الجاسوس (الرئيسي) ومن خلال (جواله أو جهاز حاسبه الآلي) قادرًا على إنشاء (شبكة وهمية) من مئات (بل آلاف) الأعضاء (العملاء) الوهميين، ومن خلال أجهزته يستطيع (الجاسوس)، وباستخدام حسابات التواصل الاجتماعي لأعضاء الشبكة الوهميين، تحقيق بعض الأهداف المطلوبة منه مثل إطلاق فتنة داخلية؛ وذلك باستغلال القضايا المحلية (مثل: التوظيف وتوطين الوظائف، العنصرية والطائفية، أو بعض الشؤون الاجتماعية الداخلية…إلخ) أو فبركة الشائعات ونشر الأكاذيب.. عندئذ لا تلبث (تلك الأخبار المصنوعة) أن تصبح حملة شعبية ينضم إليها المُغرر بهم، وبدورهم يقومون بإعادة النشر (دون تبصر) لتصبح الأكثر انتشارًا (ترند) مما يُساعد في زيادة أعضاء الشبكة والوصول بها ضمن الحسابات الأكثر انتشارًا وهو أحد الأهداف التي يسعى إليها الجاسوس، وربما تحدث بسببها اضطرابات داخلية تهدد الأمن الداخلي …إلخ. ومن الأهداف الكبرى للمسؤولين عن مثل هذه الشبكات الوهمية تنفيذ سياسة (فرق تسد)، وضرب علاقات الدول الشقيقة أو الحليفة من أجل إحداث شرخ في العلاقات بينها وتفكيك وحدة صفها، وإضعاف موقفها الدولي في المحافل الدولية.
في هذا السياق، ولتوضيح خطورة حسابات التواصل الاجتماعي، كشف الصحفي السعودي (حسين الغاوي) الغطاء عن حساب واحد (يدير أكثر من 300 حساب وهمي). تفرغت تلك الحسابات في نشر الأخبار المصنوعة، وكادت أن تتسبب في فتنة بين الشعبين السعودي والإماراتي.
مثال آخر على خُبث تلك الشبكات الوهمية، حيث استغلت رغبة أحد الأندية السعودية بالتعاقد مع النجم المصري محمد صلاح، وأطلقت حملة (من مصر) واجهتها حملة مضادة (من السعودية)، وفي الحملتين من التراشق اللفظي ما لا يليق بمستوى العلاقة القوية التي تربط بين البلدين على كافة الصعد الرسمية والشعبية.
انتقال صلاح هو موضوع رياضي بحت، لكن تلك الحسابات (المشبوهة) أخرجته عن نطاق الرياضة، و(سحبت) خلفها عشرات الآلاف (وربما أكثر) من المغردين الذين ساروا (على غير بصيرة) ليكونوا حطبًا لإشعال فتنة بين البلدين.
من السذاجة أن نصدق أن الموضوع لا يستحق التوقف عنده، وأنه مجرد حماس جماهيري، والأسئلة التي تفرض نفسها ما علاقة مبلغ انتقال (لاعب كرة) حتى تُقارنه تلك الحسابات المغرضة بموضوع (التكية المصرية) وادعاء السبق في النفقة على (أهل) مكة المكرمة والمدينة المنورة؟ ما هي علاقة (عقد احتراف لاعب) بعقود عمل (ملايين المصريين) في مختلف المهن والذين استفادوا من السعودية؟ كيف غيرت تلك الحسابات (وبمنتهى الخُبث) مسار النقاش من انتقال لاعب في الدوري (الإنجليزي) ليكون الحديث عن السعودية (الوهابية الإرهابية) ومصر (الصوفية عبدة القبور)؟ ولك أن تتخيَّل عزيزي القارئ ما ورد في سطور تلك التعليقات من شتائم وغمز ولمز بين أبناء الشعبين الشقيقين!
خاتمة
الوطن خط أحمر. دافع عنه بالغالي والنفيس بما يتفق مع توجيهات ولاة الأمر وسياسة الدولة. لا تكن (غِرًّا) سهل الانقياد خلف حسابات لا تعرف أصحابها ولا مصداقيتها ولا دينها، بل قد تكون تلك الحسابات (روبوتات آلية) تتلاعب بك لخدمة قضايا معينة.