لا يزال في الذاكرة عندما قمتُ برحلة قبل سنوات إلى مدينة (قران ثام) في مقاطعة (لينكون شير)، لزيارة القرية التي ولد فيها السير (إسحاق نيوتن) عالم القرن وصاحب الاختراعات التي غيَّرت وجه العالم. غالبية زوار هذه القرية من اليابانيين والكوريين والصينيين. قامت وزارة الثقافة البريطانية بتحويل القرية إلى متحف يعمل به حوالي (50) شخصًا بين مرشد سياحي وعامل صيانة وغيرهم، ويضم منزل نيوتن والحديقة المحيطة به التي بها الشجرة التي سقطت منها التفاحة، وكانت سببًا في اكتشافه لنظرية الجاذبية الأرضية، وقد تم وضعها داخل سياج خشبي دائري بعيدًا عن متناول الزوار.
الرحلات الطلابية تم تهيئة مكان لهم يُحاكي ما قام به نيوتن من اكتشافات؛ إضافة إلى مكتبة بها كتب ومطبوعات عن المكان وكشك لتقديم بعض المشروبات.
رسم دخول القرية قدره (20) جنيهًا إسترلينيًا للشخص الواحد، به يشاهد عرضًا مرئيًا عن حياة وإنجازات نيوتن، والتجوال داخل المتحف ومشاهدة الأدوات والمناظير التي كان يستخدمها، والتي كانت من صنع يديه إضافة إلى الغرفة التي زاره فيها عالم الفلك البريطاني الشهير (إدموند هالي)، والذي يعود له الفضل في اكتشاف دورية المذنبات عام 1705م. وكان (إسحاق نيوتن) يقضي أغلب وقته فيها لحل المعادلات الرياضية التي كان بعض منها مكتوبًا على الجدران بخط يده، إضافة إلى صورة رسالة من والدته له عندما كان في الجامعة تستفسر فيها عنه، والتي استخدم خلفيتها في كتابة حل بعض معادلاته الرياضية، وفي الغرفة نفسها بدأ كتابة كتابه الشهير بعنوان (المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية)، والذي صدر في العام 1687م، ويعتبر من أهم الأعمال في تاريخ علم الفيزياء والرياضيات والفلك، قال عنه العالم الفرنسي (بيير لا بلاس): “إنه الكتاب الوحيد الذي كشف لنا القانون الأعظم للكون”، وعلى نفس الكتاب علق العالم الفيزيائي الشهير (ألبرت أينشتاين)، والذي يعتبر (نيوتن) عالمه المفضل قائلًا: “إذا كان لديك الوقت والهدوء يمكنك من خلال قراءة هذا الكتاب أن تعيش الأحداث الرائعة التي عاشها نيوتن في شبابه”.
والطريف في الأمر أن نيوتن بعد حصوله على الشهادة الجامعية من جامعة كامبريدج أغلقت الجامعة أبوابها كإجراء وقائي لانتشار مرض الطاعون في بريطانيا عام 1665م، والذي استمر لمدة سنتين وتسبب في وفاة حوالي مئة ألف شخص أي ما يُقارب من ربع سكان مدينة لندن في ذلك الوقت، عندها قرر نيوتن العودة إلى منزل ومزرعة والديه في القرية، وفي هذه الفترة استطاع نيوتن أن يحول هذه الظروف الصعبة إلى مرحلة ذهبية في حياته، واستطاع خلال هذه المدة أن يظهر كعالم فذ في مجالات عديدة، لدرجة أن البروفيسور الأمريكي (مايكل هارت) قام بتصنيفه على أنه من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في التاريخ البشري؛ وذلك في كتابه الشهير (المئة شخصية الأكثر تأثيرًا في التاريخ).
0