المقالات

ردغة الخبال والمصير البائس

كثير ما يذهل البعض عن التلوث بالموبقات وقاذوراتها، والتي تتفاوت بين الخفاء والاستبانة، ورغم فداحة أثرها وعظيم خطرها، بيد أن التورط في براثنها ماضيًا ومستمرًا دون إفاقة أو وعي إلا (من رحم الله)، ومن ذلك الوعيد المرعب (ردغة الخبال)، والتي تمثل عصارة أهل النار من الدماء وصديدهم الآسن، ونتن عظامهم المحترقة، وفتات أجسادهم المتفحمة، والتي تتعاظم ضخامتها عند إلقائهم وقذفهم في النار أول مرة؛ حيث يبلغ ضرس الكافر في النار مثل جبل أحد إمعانًا في التعذيب والتنكيل؛ حيث تتحول تلك البقايا النارية إلى طعام أو شراب لأهل النار في عذاب دائم مستمر لا ينقطع كما قال تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)(النساء: 56) وثمة وضوح تام يتصل ببعض كبائر الذنوب ممن يستحق هذا العذاب ( كالزناة، ومدمني الخمر.. إلخ).
بيد أن عقوبة من وجه آخر يطلق عليها (ردغة الخبال) يدق فهمها وتجاهلها عمدًا أو جهلًا من قبل المغرورين والمعجبين بأنفسهم من العنصريين والمتعصبين، والمتحزبين الذي يقعون في أعراض المسلمين ولا سيما الملوك والأمراء والوزراء، والعلماء والدعاء وطلبة العلم، والمفكرين والأدباء.. إلخ، ويَسِموهم بأوصاف وألقاب تتسم بالظلم والبهتان بما ليس فيهم، اعتمادًا على (سوء الظن المحض) أو الداء المخامر القاتل الذي يجوس في عقولهم المريضة (التصنيف) أو ما يسمى بالجرح والتعديل كذبًا وزورًا وبهتانًا (وهو تنزيل علم الرواية على علم الاجتهاد والدراية غفلة وجهلًا وتقليدًا)، وهم في حقيقتهم غارقون لآذانهم في بحور الإعجاب والغرور، وبين وعيد هذا الحديث الشريف وبين هؤلاء الجناة صلة وعلاقة لا يستطيعون منها فكاكًا مهما تمحلوا من تأويل أو احتالوا من تبرير وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: (من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ حتَّى يخرُجَ ممَّا قال) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
والردغة هي: الوحل الكثير، والخبال: الفاسد، والمراد أن الله -عز وجل- يعاقب المتطاول في أعراض المسلمين والمسلمات يسقيه وطعمه من عصارة أهل النار وصديدهم، وحين نستعرض مسالك هؤلاء (الرداغيين)، نلحظ الكذب المحض، وسوء الظن، والبهتان الجلي، والخلو من الحجة والبرهان، وقد توسع الداء في عصرنا بصورة مخيفة ومذهلة، تمثل في قنوات فضائية ومواقع إلكترونية، ونشرات ومؤلفات، وهناك ما يُسمى بالمعارضة (الخوارج) لا تتورع من الكذب والبهتان والمبالغة والتضخيم، بيد أن القاسم المشترك بينهم جميعًا ما نص عليه الحق سبحانه في كتابه العزيز بقوله: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)(الأنعام: 116).

آخر السطر:
طهرْ لسانكَ من أذيةِ مسلمٍ
وأرضَ الأخوةَ منهجًا وسبيلا

أ.د. غازي غزاي العارضي

استاذ الدعوة والثقافة بجامعة الاسلامية وجامعة طيبة سابقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى