المقالات

مكة المكرمة…خير البلدان وأشرفها!!

مكة المكرمة أجمل بقاع الأرض وأطهرها، وخير البلدان وأشرفها، كيف لا؟ وفيها أول بيت وضع للناس، ونالت شرف الانتساب لله؛ في قوله تعالى: (وطهر بيتي للطائفين …)، وهي مدينة الركن الخامس من أركان الإسلام؛ في قوله تعالى:(ولله على الناس حج البيت)، وبها الحجر الأسود “الذي نزل به ملك من السماء” كما روى أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبها الركن والمقام؛ فقد أخرج الترمذي وأحمد والحاكم وابن حيان قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة”. وروى الحاكم والبيهقي وابن خزيمة مرفوعًا: “من حج البيت ماشيًا حتى يرجع إلى مكة، كتب الله له بكل خطوة سبع مائة حسنة مثل حسنات الحرم” قيل: وما حسنات الحرم؟ قال:” بكل حسنة مائة ألف حسنة”. أهـ.
بها بئر زمزم، الذي لا يزال يتدفق منه الماء (طعام طعم، وشفاء سقم) على مدى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، من قلب صخور نارية، على الرغم من طمرها وحفرها لعدة مرات.
منها خرج المصطفى -صلى الله عليه وسلم- خيرة خلق الله، ومن ربوعها أشرق نور دين الله، وفوق بقاعها نزلت آيات الله، وإليها يتوجه المسلمون أينما كانوا وحيثما حلّوا طلبًا لمغفرة من الله، فلا تكاد تمر لحظة مهما تجزَّأت ودقًت إلا والعيون إليها طامحة، والوجوه إليها ناظرة، والرقاب إليها مشرئبة، والنفوس إليها ظامئة، والقلوب إليها والهة. إنها البيت الحرام، قبلة القلوب والأرواح، حيث أبواب السماء مفتوحة تحملق فيها الأنظار ترجو رحمة من الله ورضوانًا..
إن الحديث عن مكة كما قال أحدهم:
يُعاد حديثها فيزيد حسنًا ::: وقد يُستقبحُ الشيءُ المعادُ
حديث مكة حديث ذو شجون، أشجى أفئدتنا ومسامعنا منذ تلك الآهة التي صدعت قلب مضاض بن عمرو الجرهمي وهي من إحدى قصائده في الحنين إلى مكة التي كانت تسكنها قبيلته جُرهم قبل أن تطردهم قبيلة خزاعة منها:
وقاتلةً والدمع سَكْبٌ مبادر ::: وقد شرقت بالدمع منها المحاجرُ
وتبكي لبيتٍ ليس يؤذى حمامه ::: يظل به أمنا، وفيه العصافرُ
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ::: أنيسٌ ولم يسمر بمكةَ سامرُ
وحديث السامر عن مكة يبدأ من نشأتها الأولى، متصل الحلقات، عابرًا للعصور والأزمان، من عصر إلى عصر، ليحطَّ ركابه في أرض زماننا محملًا بكل ألوان الطيف. حديث عن شؤون وشجون مكة! وما أدراك ما مكة! هذه المدينة المقدسة التي تقص علينا حكاية البشرية من لدن آدم -عليه السلام- وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فما تكتنزه هذه المدينة العريقة يجعلها كتابًا مفتوحًا من الأحداث المسترسلة التي تحكي التاريخ، وتروي حديث المكانِ وثقافته النابضة بمعارفِ قاطنيه وقيمهم وأخلاقهم ومكارمهم وإبداعهم في رسم الجمال، بدءًا برفع قواعد البيتِ ونزول الرحمات التي جعلت منها بلدًا آمنًا تُجبى إليه الثمرات، وليس انتهاءً بنور الإسلام الذي أضاء الكون كله بالبهاء والعطاء.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى