قاتل الله “الغضب” ما أدهاه.. كم سَبب من آلام وجروح وقطيعة رحم وحروب، وهو خصلة غير محمودة نهى عنها الإسلام وحث على الحلم، وحاربته كل الثقافات المجتمعية، وأرى أن الغضب نوعان: غضب ثائر ولحظي وغضب كامن. الثائر هو الذي يقع عندما يكون غضب الإنسان في حينه. فعندما يغضب من حالة ما يكون رد فعله فوريًا وغالبًا يكون هذا الرد عنيفًا، تنقصه الحكمة وتتبعه آثار مروعة. مثلًا يتخاصم اثنان ونتيجة الانفعال المتصاعد يقوم أحدهما باستعمال السلاح سواء أكان أبيض أو ناريًا مما يؤدي إلى إصابات بليغة بل إلى الوفاة في بعض الأحيان. والغاضب عندما يرتكب ذلك الفعل لا يفكر ماذا سيحدث؛ نتيجة هذا التصرف سواء على أهل القتيل أو على عائلته من حمل ثقيل لا قبل لهم به من تثكيل وتيتم وفقدان راع كانت الأسرة في حاجته. ناهيك عن ألم الفقد عامة، وقد رأينا في الميديا كيف يفعل أرباب القاتل من تحركات للعفو عنه. مما يجعلهم في حرج كبير ومواقف لا تُحمد بسبب فعل متهور من أحد الأفراد المنتمين لهم، وهناك أمثلة كثيرة، والتي تحولت من موقف لحظي إلى حروب استمرت عشرات السنين كما في في حربي البسوس وداحس والغبراء. أما الغضب الكامن فهو غالبًا يأتي من كيانات أكثر من أفراد وإن كان عادة رأس الهرم هو الذي يتخذ القرار؛ نتيجة أفعال من دول تجاه دول سواء كانت الأسباب سياسية أو اقتصادية أو عرقية أو غضبًا محمودًا كنصرة في حق أو رفع ظلم، ونلقي نظرة على بعض تعليقات بعض العلماء والحكماء عن الغضب. “الغضب هو سلاح ثقيل جدًا يتم حمله بخفة” – مايكل ليندساي هوغز.
“الغضب هو عُطلة قصيرة من الحكمة.” – هوراس صايفورد.
إن الغضب مثل الشرارة، إذا لم تخمد فورًا، فإنها ستحرق كل شيء كونفوشيوس.
علينا أن نحترم الغضب كشعور طبيعي، ولكن يجب علينا أن نتحكم فيه وأن نتعامل معه بشكل بناء. تشارلز جوردون.
الغضب هو حماقة يشارك فيها اثنان: الذي يغضب والذي يستفزه. مارك ديبلو…
إن هناك مساحة بين الغضب والصبر يغذيها الحلم إن توفر وبين الغضب والحلم ما قاله النابغة الجعدي.
ولا خير في حلم إذا لم يكن له
بوادر تحمي صفوه أن يتكدرا
ولا خير في جهل إذًا لم يكن له
حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فَفِي الحِلمِ خَيرٌ مِن أُمورٍ كَثيرةٍ
وفِي الجَهلِ أَحيانًا إذا ما تعذرا.
وأيضًا ما قاله الشاعر عبدالله العرجي. وإذا غضبت فكن وقورًا كاظمًا
للغيظ تبصر ما تقول وتسمعُ
فكفي به شرفًا تصبر ساعة
يرضي بها عنك الإله وتُرفعُ
ولكن هل الغضب حكر على الإنسان فقط؟ لنرى ما يقوله بعض الفلاسفة. فالعديد من فلاسفة العصور الوسطى مثل ابن سينا وروجر بيكون وتوماس أكويناس اتفقوا مع الفلاسفة الأقدم على أن الحيوانات لا يمكن أن تغضب، ومن ناحية أخرى، فإن الغزالي، والذي غالبًا ما لا يتفق مع أرسطو وابن سينا حول العديد من القضايا، قد جادل بأن الحيوانات تمتلك مشاعر الغضب باعتبارها واحدة من ثلاث «قوى» نخصهم وعن النوعين الآخرين من القوى هما الشهية والاندفاع. وإن إرادة الحيوان «مشروطة بالغضب والشهية» على النقيض من الإرادة البشرية التي هي «مشروطة من جانب العقل».
قال أحدهم للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانًا، ومتى قصرت عنه كان نقصًا ومهانة.
فللغضب حد وهو الشجاعة المحمودة؛ فالشجاعة عندما تزيد عن حدها تكون تهورًا، وعندما تنقص عن حدها تكون جبنًا وخير الأمور الوسط.
إذا كان الغضب مذمومًا في مواقف كثيرة أما في الهوى والهيام وإن كان كذلك ولكنه فعل يفجر قريحة الشعراء فينثرون درر شعرهم… قال أبو الأسود الدؤلي:
خُذي العَفوَ مِنّي تَستَديمي مَوَدَّتي
وَلا تَنطُقي في سَورَتي حينَ أَغضَبُ.
فَإِنّي وَجَدتُ الحُبَّ في الصَدرِ وَالأَذى.
إِذا اِجتَمَعا لَم يَلبث الحُبُّ يَذهَبُ.
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى
ويأباك قلبي والقلوب تقلب.
وقال أبو تمام:
من لي بإنسان إذا أغضبته
وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من
أخلاقه وسكرت من آدابه.
وتراه يصغي للحديث بطرفه
وبقلبه ولعله أدري به.
وقال الشاعر العباس بن الأحنف:
غَضِبَ الحبيبُ فهاجَ لي استعبارُ
والله لي ممّا أُحاذِرُ جَارُ.
كنّا نُغايظُ بالوِصال مَعاشرًا
لهُمُ الغَداة َ بصَرمِنا اسْتِبشارُ.
أيها الرجلُ المعذّبُ قلبهُ
أقصِر فإنّ شِفاءكَ الإقصارُ.
نزَفَ البُكاءُ دموعَ عينكَ فاستعر
عينًا لغيركَ دمعُها مِدرارُ.
من ذَا يُعِيرُكَ عَيْنَهُ تبكي بها؟
أرأيتَ عينًا للبكا تعارُ.
الحُبُّ أوّلُ مَا يَكُونُ لجَاجة
تأتي به وتسوقه الأقدارُ.
حتى إذا اقتحمَ الفتى لُجَجَ الهوى
جاءت أُمورٌ لا تُطاقُ كِبارُ.
يا فوزُ هل لك أن تعودي للّذي
كُنّا عليهِ مُنذ نحنُ صغارُ.
فلقَد خَصَصتُكِ بالهَوى وصرَفتُه
عمّن يُحدّثُ عنكُمُ فيغارُ..
وهكذا يذهب الغضب بصاحبه إلى نتائج لا تحمد عواقبها وقد تكون كارثية. فلا أجمل من الصبر والأناة يخضبون بالحلم الجميل.