المقالات

هولوكوست غزاوي

قال صاحبي: ماذا حدث في غلاف غزة، يوم السابع من أكتوبر، ولماذا حدث، وكيف حدث، ومن خطط، ومن المستفيد، وما النتائج المتوقعة، وهل سيُعطل هذا الحدث قافلة التطبيع العربية الإسرائيلية التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، وهل قضى على اتفاقية أوسلو والمبادرة العربية؟

لعلي أضيف لما سبق سؤالًا آخر وهو هل ما حدث من خسائر بشرية وإنسانية ومادية كان ضروريًا لتحريك القضية الفلسطينية بشكل عام، وتذكير العالم بحصار غزة الأطول في العصر الحديث- سبعة عشر عامًا-، وقبل الإجابة عن هذا السؤال، يقفز إلى المقدمة سؤال هو الأهم في تقديري، وهو هل كان بالإمكان تلافي هذا الصدام وتجنيب المنطقة والعالم انعكاساته المستقبلية؟
ما حدث ليس مفاجئًا فالحرب لم تتوقف بين الطرفين، بل كان هناك هدن طويلة نسبية يخترقها بين الفينة وأختها أحد الجانبين، إما بالاعتداء على المقدسات الإسلامية في فلسطين، وإما بممارسة غير مسؤولة تمس المواطنين أو الأعيان المدنية هنا أو هناك، فتتفجر الأوضاع، وبعد انقشاع غبار الحرب يجنح الفريقان لسلام مؤقت، فالفلسطينيون يشعرون بالغبن جراء تجاهل العالم لقضيتهم التي بدأت تتراجع إلى المقاعد الخلفية، في مقابل أزمات سياسية واقتصادية وصحية، ضربت أطنابها على العالم، ناهيك عن الإحساس بالظلم لانحياز القوى الكبرى ضدهم، ومناصرة خصمهم، ودعمه بالمال والسلاح والمعلومات والفيتو.
وأما الطرف الآخر المحتل للأرض، فهو يتمتع بالدعم الدولي، والنفوذ المالي، والسيطرة الإعلامية، والتفوق العسكري، والدلال الغربي، والعنجهية التي أعمت كل من تولى الأمر فيها، فكانت الحلول المطروحة كثيرة، وأكثر منها القرارات الأممية بشأن فلسطين، ولكنها تبقى حبرًا على ورق. إسرائيل لم ولن تتقبل وجود دولة فلسطينية مجاورة لها، وبهذا أغلقت أبواب السلام، وبنت السدود والحواجز العنصرية التي لم تستطع أي دولة أن تبنيها بينها وبين جيرانها، وبمجرد التفكير العلني بها تفتح عليها أبواب وأبواق الشر من المنظمات الدولية.
كهربت إسرائيل الجدار الحاجز وزودته بتقنيات متطورة ترصد الطير في السماء، وتسمع دبيب النملة على الحجرة الصماء، وغاب عمن صنع السدود قانون الفيزياء المتداول “الضغط يولد الانفجار” فزاد الضغط وانفجر طوفان الأقصى، وتجاوز السدود المنيعة! فهل تجاوزها بقوته وتخطيطه، أو بإهمال خصمه أو تدبيره؟

هنا السؤال الحقيقي الذي لا يمكن الإجابة عنه، إلا من قبل الراسخين في الأمر، وهم قليلون، فهل سبقت هذا الطوفان ترتيبات لم يُعلن عنها، وهل تستطيع السيوف الحديدية الوقوف في وجه الطوفان، وهل سيمتد الطوفان من غزة إلى الجودي، ومنها إلى خراسان؟ في مواجهات مماثلة بين الجانبين لم تحضر حاملة الطائرات، ولم تعد واشنطن بإرسال أخرى، ما الذي تغيَّر في هذا الصراع؟
هل هو لتعطيل عملية التطبيع العربية الإسرائيلية أو للتعجيل بها، أو هو ردة فعل على اغتيال علماء البرنامج النووي الإيراني، واستيلاء عملاء الموساد على كميات كبيرة من الوثائق، هل هو لتأجيل ضربة إسرائيلية محتملة لمفاعل إيران كما فعلت مع مفاعلات العراق وسوريا من قبل، وهل تستطيع إسرائيل حسم المعركة سريعًا؟ لأنها لم تعتد أن تخوض حربًا مفتوحة تمتد لسنوات، وتعتمد على اضرب واهرب، وعلى نقل المعركة لأرض الخصم لا أن تنتقل المعركة لداخلها.
قلت لصاحبي:
ستُجتاح غزة!! وستشعل أفران الهولوكوست.. وستمنح جوائز السلام لمن أحرق النساء والأطفال!!

أ. د. عبدالله العساف

استاذ الإعلام السياسي_ جامعة الامام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى